صندوق النذور فى طريقه إلى منصة الفرز
------------------------
سامحنا يالله.. لم نكن نتصور ونحن نرى أيدى الفاسدين وهى تتحسس جيوبنا، وتخرج بما فيها إلى حسابات بنوكهم السرية، أنها قد تتجرأ وتمتد لتبحث عن نسخة مفتاح مزورة لخزائن سمائك، لم نكن نتصور أنها حينما كانت تعبث بالأختام والتوقيعات لتسحب منا أرضنا، دون أن يقوى سيف القانون على ردع جبروت سلطتها ونفوذها، أنها قد تتلاعب تحت ظل سمائك لتحصل على ممتلكات ومنافع وهبتها إلى فقراء أرضك ومرضاها، لم يكن أحد منا يحلم فى أسوأ كوابيسه، أن الأيدى التى سرقت واختلست من أموالنا، قد تقوى على أن تعبث بأموال ومنافع نقشنا عليها شعار «هى لله».
سامحنا ياالله، فلم يكن عقل أحد منا على استعداد لتلقى صورة من تلك التى يظهر فيها أحد أولئك المتأنقين، ويده تمتد خلسة إلى صندوق مكتوب عليه بالبنط العريض «صدقة جارية»، وتخرج منتفخة بينما الصندوق يئن خاويا، لم نكن على علم أن الأرض أصبح عليها من تمتد يده ليسرق حنفية ماء، أعلاها يافطة كتب عليها «سبيل لله».
سامحنا ياالله، لأن سذاجتنا جعلتنا على يقين من أن للفساد حدودا، سامحنا لأننا تركناهم يفسدون فى الأرض، يسرقون ويزورون ويأكلون أموال اليتامى حتى أصابنا الضعف، وتآكلت سيوفنا، فلم نعد نقوى على حماية أموالك التى وهبتها للفقراء وذوى الحاجة، بينما هم يتصارعون عليها.
لا سقف للفساد، حتى تلك الأسقف التى تحمل شعار السماء، لم يخجل الفاسدون من خوض معارك أسفلها، على أموال لم تكن أبدا لهم، على أموال تخيل أصحابها أنهم وهبوها لله خير ضامن لها من النفس الأمارة بالسرقة والاختلاس والتبديد والإهدار.
الفساد هناك.. أسفل القبب السماوية والأسقف التى تتبع الرسائل الإلهية، أشرس وأقبح مليون مرة من فساد الحكومة، لأنه يتم من أسفل عمامة أزهرية، أو لحية وهابية، أو صليب مقدس، أو برعاية شهادة نسب لآل بيت الرسول، أو سلطة وزارة أنشأوها لحماية كل ماتم إيقافه ونذره لله.
هناك.. فى الأزهر الشريف جامعا وجامعة، وفى وزارة الأوقاف، والكنيسة، ونقابة الأشراف، والطرق الصوفية، والجمعيات الشرعية، والجمعيات الخيرية.. أموال خرجت من جيوب أصحابها لله، فامتدت إليها أياد خبيثة، وحولتها إلى جيوب وحسابات بنكية أكثر خبثا.
ألم تسأل نفسك يوما لماذا تعيش هذه الأماكن المذكورة فى مشاكل دائمة؟، لماذا تتقاذفها الأزمات؟، لماذا لا يسلم مكان واحد منها من الشبهات والشائعات، مع أنها أماكن ربانية الهدف والمقصد والوظيفة؟، ألم تسأل نفسك على أى شىء يتصارع العاملون بها، رؤساء ومرءوسين ،رغم أنهم يركزون كثيرا على جملة اعتراضية اسمها «نحن نعمل لله أولا»؟ ألم تسأل نفسك ياعزيزى لماذا تتكدس قضايا الاختلاس والسرقة فى المحاكم باسم هذه الأماكن؟ ألم يثر انتباهك هذا الكم من أوراق الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى يتحدث عن أموال مهدرة هنا وهناك؟ ألا تقرأ الصحف ومابها من اتهامات متبادلة بين العاملين فى هذه الأماكن وكلها اتهامات تتعلق بالمال؟ ألا يدهشك ذلك الصراع الفقهى على أموال المتبرعين وأهل الخير من يأتى بحديث ليجعلها حلالا للأيتام، وآخر يأتى بحديث ليجعلها واجبة للمرضى، وثالث يأتى برأى فقهى يجعلها أوجب لذوى الاحتياجات الخاصة، وآخرون يصنعون إعلانات تقطر شفقة ليجعلوها أكثر وجوبية لأطفال الشوارع، فى صراع على صدقة جارية، غالبا ماينتهى الحال بها إلى جيوب أخرى غير محتاجة تماما؟!
إنه صراع من نوع مختلف على مال ذى طبيعة مختلفة، مال تخيل الفاسدون أنه سايب، لأن لا صاحب له على الأرض يحميه بعقود أو بخزائن حديدية أو بسلطة قانون، أو بأجساد فارعة لبودى جاردات لا يفهمون سوى لغة الضرب، غافلين عن أن المال فى النهاية هو مال الله..ومالله لا يضيع أبدا ولو بعد حين