كان يسير بسيارته وحيدًا، ليس معه أنيس أو صديق، يسير بها على الطريق السريع، لا يعبأ بتلك السرعة الجنونية، وتلك السيارات التي يعبر بها في لمح البصر، دائمًا ما كان يسعى إلى هدف واحد، أن يحقق ذاته، وينجح في حياته، حتى لو صار وحيدًا.
وبينما هو غارق في أحلامه وحيدًا، شاردًا ذهنه مع تفاصيلها، إذ بسيارة تظهر فجأة أمام سيارته، يحاول تفاديها قدر استطاعته، يحرك عجلة القيادة يمنة ويسرة، يحاول أن يستخدم مهاراته في قيادة السيارة التي طالما تفاخر بها أمام الجميع، يبذل قصارى جهده في تفادي تلك السيارة، ولكن دون جدوى، اصطدم بها اصطدامًا مريعًا، وانقلبت السيارة عدة مرات، لتستقر على جانب الطريق، وألسنة اللهب بدأت في الاشتعال، وعامود من الدخان أعلن عن وجوده، فسد الآفاق بوشاح أسود.
خرج صديقنا من سياراته، والدماء بدأت تلطخ جزءًا من وجه وملابسه، خرج وبعض من الكدمات والكسور قد حازت لها مكانًا بين عظامه، خرج مترنحًا يبحث عن هاتفه المحمول بين بقايا سيارته، أو داخل ملابسه؛ فكانت المفاجأة أن يرى هاتفه المحمول سليمًا، ولكنه ملقى على جانب الطريق، جمع قواه، أو ما تبقى منها، وأسرع نحو الهاتف المحمول، أخذ يقلب بين الأرقام، ولسان حاله يقول: (أحمد، لا؛ فطالما أهملت طلباته، ولم أحقق له الخدمات التي أرادها منها).
أخذ يقلب مرة أخرى، فرأى رقم هاتف محمد، ولكنه سرعان ما تجاوزه لغيره، فقد حكى له محمد كثيرًا من مشاكله، ولكنه لم يقدم لأي منها حلول، وهكذا بدأ مخزون الأرقام في هاتفه ينفد، وبينما الأمل يتسرب منه ويتصاعد إلى السماء؛ ليختلط بدخانها الأسود، إذا به يجد رقم هاتف صديقه محمود، فقال في نفسه: (نعم، هو ذاك، لقد قدمت له كثيرًا من الخدمات، ولزامًا عليه أن يحضر حالًا لمساعدتي).
أتصل بصديقه محمود، وما أن أتم الضغط على أرقام هاتفه، وبينما ينتظر الفرج الآتي، والمساعدة والنجدة المحتملة، إذا برسالة تخرج من هاتفه، رسالة ما كان يحب أن يسمعها في الأوضاع العادية، فكيف يسمعها الآن؟! إنها رسالة تخبره بأن رصيده قد انتهى، ولن يسمح له بإجراء مكالمات هاتفية من محموله.
وحينها رمى صديقنا بالهاتف على الأرض فتكسر، وأخذ يموج شرقًا وغربًا، حتى إذا خارت قواه، جلس واضعًا كفيه على خديه، منتظرًا فرجًا ومعونة من الله تبارك وتعالى، ولكن متى وكيف سيأتي هذا الفرج؟ هل سيمكث أيامًا على تلك الحال؟! أم هل سيعرف بمكانه أحد وينقذه؟
هكذا سيمضى صاحبنا دقائق، أو ساعات أو بالكثير أيام، ولكن دعني أخبرك بالأمر الأخطر، ألا وهو أن هناك من البشر من يقضون سنوات حياتهم المديدة بنفس الطريقة؛ فتأخذهم دوامة الحياة بعيدًا عن قلوب تحوطهم برعايتها، ونفوس تضمهم بعنايتها، فيشعرون أنهم قادرون على تحقيق النجاح وحدهم، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن النجاح يعتمد على فريق من المساعدين، وأن منصة التميز تتسع للكثيرين، وأن شعار الإنسان في الحياة لابد وأن يكون: (أنا لست وحدي).
صعبة ولكنها هامة.
ربما يفضل البعض أن يكون وحده؛ لأنه يظن أن الحياة مع الآخرين بالرغم من أهميتها، إلا أنها صعبة، حيث عليك أن تصبر على أذاهم، وتحاول إقناعهم أو تحفيزهم لأمر ما، وربما تختلف معهم وتعارضهم في بعض الأمور، ولذا يجنح البعض إلى الهروب من كل تلك الصعوبات بالركون إلى الذات، والعيش في إطارها فقط.
ولكنها في نفس الوقت تحوي الكثير من الأهمية، ولعل إحساس الإنسان بفوائد العلاقات الاجتماعية هي السر الأول على طريق الإنسان ليصبح نجمًا اجتماعيًّا.
نجاح أعظم.
فهناك دراسة يذكرها لنا ديل كارنيجي في كتابه كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، وتؤكد أن هناك 15% من نجاح الشخص ترجع إلى معرفته الفنية، بينما 85% الباقية ترجع إلى المهارة في الهندسة الإنسانية، وترجع إلى الشخصية والقدرة على قيادة الناس.
وليس الأمر يتوقف عن هذا الحد، بل إن زيج زيجلار ليصف نجاحًا من نوع آخر، يتعلق بالصلات الاجتماعية والاهتمام بها، فيقول: (ستكون ناجحًا عندما تعرف كيف تحول أعداءك إلى أصدقاء، وكيف تحصل على الحب والاحترام ممن يعرفونك جيدًا).
حياة أسعد.
بل لقد وصل الأمر بزيج زيجلر ـ أحد أكبر علماء التنمية البشرية في العالم اليوم ـ أن يعتبر أن من أهم أسس السعادة في الحياة هو العلاقات الشخصية، فيقول في كتابه الشهير (النجاح للمبتدئين): (لماذا يرتكز كتاب النجاح للمبتدئين على العلاقات الشخصية؟ لأنك إذا سألت ألف شخص عن أهم شيء يريدونه في الحياة؛ فيمكنني أن أضمن لك أن السعادة ستأتي على رأس القائمة بالنسبة لمعظمهم، وسل نفس هؤلاء الأشخاص عما يعتقدون أنه سيجعلهم أسعد الناس، وسوف تقول لك الغالبية العظمى: تكوين علاقات شخصية رائعة مع من أحب).
مفتاح النجاح الوظيفي.
بل هي سبيل للحصول على الوظيفة ابتداء؛ وهذا ما يؤكده أحد أكبر رجال الأعمال وأغناهم في عصره، وهو جون د. روكفيلير حين يقول: (إن القدرة على التعامل مع الناس لهي سلعة تباع مثلها مثل الشاي والقهوة، وسوف أدفع لمن لديه هذه القدرة أكثر مما أدفع لأي شخص آخر على الإطلاق).
وفي نفس الوقت هي مفتاح النجاح فيها، وإليك قصة يحكيها ديل كارنيجي عن أحد تلامذته يسمى تشارلز وولترز، والذي كان مكلفًا بأن يعد تقريرًا سريًّا عن إحدى الشركات، ولم يكن يعرف إلا شخصًا واحدًا، لديه المعلومات التي كان يحتاجها بشكل عاجل، وبينما كان وولترز جالسًا عند ذلك الرجل ـ وهو رئيس الشركة ـ إذا بموظفة تقول له أنها لم تجد أي طوابع اليوم، وأوضح الرئيس لوولترز أنه يقوم بجمع الطوابع؛ لأجل ابنه البالغ من العمر اثني عشر عامًا.
صرح وولترز بمهمته، وبدأ في طرح الأسئلة، وعمد المدير إلى الغموض والتعميم وعدم الوضوح، ولم يكن يريد أن يتحدث، واتضح أنه ليس هناك شيء يمكن أن يقنعه بالحديث، وهكذا كانت المقابلة قصيرة وجافة، يقول وولترز: بصراحة لم أعرف ماذا أفعل؟ ثم تذكرت ما قالته له سكرتيرته: (طوابع ... ابن في الثانية عشر)، وتذكرت أيضًا أن إدارة الشؤون الخارجية في البنك التي أعمل فيه تقوم بجمع الطوابع.
وفي ظهر اليوم التالي اتصلت بهذا الرجل، وقلت له إن لدي طوابع لابنه، هل استقبلني بحماسة؟ نعم بالطبع، فإنه ما كان ليصافحني بحماسة أكثر من هذه؛ حتى لو كان يخوض انتخابات الكونجرس، وظهرت الابتسامات على وجهه، وحسن النية، وظل يقول وهو يتحسس الطوابع: إن ابني جورج سوف يحب هذا الطابع، انظر إلى هذا، إنه كنز.
وقضينا نصف ساعة نتحدث عن الطوابع، وننظر إلى صورة لابنه، وبعد ذلك قضى معي ما يزيد عن ساعة من وقته؛ يعطيني المعلومات التي كنت أريدها، حتى دون أن أطلب منه ذلك، وأخبرني بكل ما كان يعرفه، ثم استدعى مرؤوسيه وأخذ يسألهم، واتصل ببعض زملائه، وحملني بالحقائق والأرقام والتقارير، وبلغة الصحافة؛ لقد كان هذا سبقًا بالنسبة لي.
نجاح مؤسسيٌّ أيضًا.
هل تعرف شركة فيدكس (FedEx) لنقل الرسائل والطرود، تلك الشركة استطاعت أن تصل إلى العالمية والنجاح والشهرة والتميز؛ لأنها أيقنت فكرة أهمية الاهتمام بالعاملين لديها، وبإيجاد نوع من الصلات القوية بين الإدارة والعاملين من جهة، وبين العاملين أنفسهم، وهذا ما يؤكده فريد سميث من شركة فيدكس بقوله:
(منذ نشأة شركتنا، والعاملون يشغلون صدر قائمة أولوياتها؛ لأن هذه هي السياسة السليمة، ولأن تلك خطوة عملية سليمة أيضًا، وتتلخص فلسفة شركتنا في البيان التالي: (العاملون – الخدمة – الأرباح)، ولذا اعمل على إعلاء قيمة العاملين لديك بصفتهم أعظم أصل لديك، وستزداد قيمتهم بصورة مستمرة).
وهذا ما يؤكده الدكتور عبد الكريم بكار بقوله: (كلما ارتقى الإنسان في مدارج الكمال، زادت حاجته إلى الآخرين ـ على خلاف ما يتوهم ـ وصار المزيد من نموه واكتماله مرتبطًا بالمزيد من العلاقات الجيدة مع أسرته وزملائه وعملائه).
صحة أفضل.
ولعلك تعجب ـ عزيزي القارئ ـ وتقول: (وما علاقة الصلات الاجتماعية بالصحة؟)، ولكن عجبك يزول بعد أن أخبرك عن تلك الدراسة التي أجريت في السويد، والتي تفيد بأن العزلة الاجتماعية ضارة بالصحة، وتوضح السبب وراء ارتفاع نسبة تعرض الأشخاص المنعزلين اجتماعيًا لأمراض متعددة، ولا سيما أمراض القلب.
فقد قامت الدكتورة مريام هورستن، وزملاؤها بمعهد كارولينسكا بمدينة استوكهولم، بقياس معدل ضربات القلب لثلاثمائة امرأة، يتمتعن بكامل صحتهن البدنية، وذلك لمدة أربع وعشرين ساعة، كما تم إجراء مسح شامل على مجموعة من أصدقائهم ومدى شعورهن بالغضب والاكتئاب.
وكانت هورستن وفريقها يهتمون بتغير معدل ضربات القلب، أي قياس مدى تغير معدل ضربات القلب على مدار اليوم العادي، ومن المعروف أن معدل ضربات القلب الذي لا يتنوع كثيرًا يرتبط بحدوث عديد من أمراض القلب لدى الإنسان.
وجاءت النتائج لتأكد أن النساء اللاتي كن يعشن حياة الوحدة، ولا يجدن من يساعدهن على التغلب على الأنشطة المسببة للتوتر، مثل إدارة الشئون المنزلية، كن أكثر تعرضًا لقلة التنوع في معدل ضربات القلب، وبالتالي أكثر تعرضًا للنوبات والأمراض القلبية.
أخيرًا وليس آخرًا.
إذن فهي رحلة من الأسرار المتميزة التي تصبح بها نجمًا اجتماعيًّا، وهذا هو السر الأول، أن تدرك أهمية تلك الصلات الاجتماعية، فإنت كنت ـ عزيزي القارئ ـ تريد نجاحًا في حياتك الشخصية، والمهنية، وإن كنت مديرًا وتريد نجاحًا لمؤسستك أو شركتك، وإن كنت تريد صحة أفضل، ونفسية سعيدة في عملك وفي علاقاتك الإنسانية، فهيا بنا مع تلك الرحلة لنتعرف على أسرار الطريق إلى النجومية الاجتماعية.
أهم المراجع.
1. كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟ ديل كارنيجي.
2. قوة الذكاء الاجتماعي، توني بوزان.
3. النجاح للمبتدئين، زيج زيجلار.