خرج الملايين فى كوريا الجنوبية، أمس الأول، فى جنازة الرئيس السابق، الذى انتحر بأن ألقى بنفسه من فوق قمة جبل، لأن سيرته قد جاءت فى حديث عن الفساد.. ورغم أنه هو الذى قاد التحول الأساسى، فى مسيرة بلده، نحو الديمقراطية، ونحو اقتصاد السوق، ونحو أشياء إيجابية كثيرة جعلت من اقتصاد بلاده سابع أقوى اقتصاد فى العالم، فإن كل ذلك لم يمنعه من إنهاء حياته بيديه، لأن كلامًا قيل حوله هنا، أو هناك!!
وحين يتابع بعضنا تفاصيل واقعة من هذا النوع، فلابد أن يقارن بين رجل هناك، لا يحتمل كلمة تُقال عنه، فيبادر إلى عقاب نفسه بنفسه، بهذه الطريقة، وبين رجال عندنا، لا نطلب من أحد منهم أن ينتحر، على الطريقة الكورية، ولا حتى على الطريقة اليابانية الشهيرة، ولاعلى أى طريقة، وإنما نطلب منه شيئًا آخر تمامًا!
فالمسؤول عندنا، إذا جاءت له سيرة فى أحاديث ممتدة عن الفساد، وليس فى حديث واحد، وكثيرًا ما تأتى، فإنه يظل يراهن طول الوقت على ثلاثة أشياء:
الأول، أن الرأى العام، الذى يتداول مثل هذه الأحاديث، ليس هو الذى جاء به إلى منصبه، وبالتالى فهو لا يملك إعفاءه، ولا مساءلته، ولا حسابه، وتكون النتيجة التى نراها يوميًا، أن مسؤولينا فى غالبيتهم الكاسحة لا يقيمون وزناً، ولا اعتبارًا، ولا حسابًا للرأى العام، مهما تكلم، ومهما قال!
والشىء الثانى، أن مثل هذا المسؤول يظل محصنًا من ناحية رئيس الدولة، الذى يأتى به ويأتى بغيره، إلى الموقع، ويعفيه منه، ويعفى غيره أيضًا فى أى لحظة.. فالرئيس قال ذات يوم إنه لا يطالع غير صحف الحكومة، ولذلك فمثل هذه الأحاديث، عن فساد أى مسؤول لن تصل إلى الرئيس فى الغالب، فيبقى المسؤول من هؤلاء، وفى بطنه بطيخة صيفى، كما يقال!
والشىء الثالث، أن المسؤول من هذا النوع، مع مرور الوقت، يصبح منزوع الإحساس بما يجب أن يكون عليه، إزاء شعور المواطنين، وبدلاً من أن يستحـى، أو يستشعر الخجل، أو يتوارى، أو يحاول تحسين صورته، أمام المصريين، أو يسعى إلى ترميم ما تهالك من سمعته، واسمه، وكيانه.. أو .. أو.. وبدلاً من أن يراهن على عيب قاتل فى المصريين هو النسيان، فإنه يتبجح، ويروح ثم يجىء، ويتحرك مكشوف الوجه، وكأن الناس هم الفاسدون، وليس هو!!
لا نطالب أحدًا بأن ينتحر، كما فعل رئيس كوريا الجنوبية السابق، ولكن نطالب الفاسدين منكم بأن يكونوا أقل بجاحة.. فهذا أضعف الإيمان!!