تشي جيفارا الشيوعي اللاتيني الذي واجه الهيمنة الأمريكية واغتاله رجالُ مخابراتها منذ أكثر من 38 عامًا يظهر من جديد في القاهرة بعباراته القوية، وصوره على "التيشرتات", والميداليات, وبوسترات السيارات، ومن عباراته التي تحملها ملابس الشباب: الثورة قوية كالفولاذ.. حمراء كالجمر.. باقية كالسنديان.. عميقة كحبنا الوحشي للوطن.. إنني أحس بكل صفعة توجَّه لكل مظلوم في هذا العالم.. فأينما تجد الظلم فذاك وطني.
والسؤال: لماذا يظهر جيفارا في بلادنا الآن؟! لماذا يحمل أبناؤنا صورَه؟! هل هي مجرد تقليعة أو "موضة"؟ أو أن هناك أسبابًا أخرى وراء ظهوره؟! وهل تحوَّل جيفارا إلى رمزٍ لدى الشباب حتى دون أن يعرفوا مَن هو ذاك الرجل الذي هم مهووسون به؟!
من هو جيفارا؟!
تشي جيفارا
وُلد جيفارا عام 1930 بالأرجنتين لأم بريطانية الأصل، اختارت له اسم "أرنستو جيفارا" وكان مريضًا بالربو الصدري، وكانت والدته تلفُّ جسده بالقطن من شدة الحرص، وداومت الأم على تدليل طفلها بهذا الخوف الشديد عليه، لكنه تمرد على هذا الوضع بعد أن شعر بالاختناق من هذه المعاملة المفرطة في التدليل، وأخرج جسده النحيل من القطن الذي يحيط به, وبدأ يمارس جميع أنواع الرياضة وأخذ على نفسه عهدًا أنه لا يمكن لأحد أن يفرض عليه أية قيود، ولطالما وصفه والده بأنه متمرد لحدِّ الجنون.
وفي يوم سُجنت والدته فجأةً ودون أيِّ مقدمات وتعرَّضت للتعذيب ولم ينقذها سوى نفوذ عائلته وغِنَى والده، وهنا قرر جيفارا أن يهب نفسه للنضال، فهاجر من بلاده الأرجنتين، واتجه إلى محاربة الظلم أينما وجد.. مرَّ بمحطاتٍ كثيرةٍ في حياته (بيرو, تشيلي, بوليفيا, كولومبيا, فنزويلا، جواتيمالا) حتى استقرَّ به الحال في كوبا، وقرَّر مساعدة أهلها لتحرير بلادهم من ظلم الأمريكان واحتلالهم وسيطرة الشركات الأمريكية على اقتصاد تلك البلاد.
وبعد تحرير كوبا تركها في يد رفيق كفاحه كاسترو منتقلاً إلى جبهات أخرى ضد الأمريكان، كان آخرها فيتنام؛ حيث تمكن منه المرض واستطاع الأمريكان أن يقتلوه بطريقة غادرة، ويمثِّلوا بجسده، ودفنوه في مكان غير معلوم، إلا أنه عُثِر مؤخرًا وفي عام 1997 على رفاته في بوليفيا وأخذها صديقه كاسترو الذي ما زال يحكم كوبا حتى الآن ودفنها في الأرض التي حررها بدمائه.
وفي حديثنا مع الشباب عن سبب اهتمامهم بجيفارا ومدى معرفتهم به اكتشفنا أن هناك نوعَين من الشباب: "الأول متابع للأحداث، وله وجهة نظر فيما يدور حولنا، والثاني وهو الأكثر عددًا، فهو مهووس به لمجرد أنه يراه "موديل"!!
ظاهرة تجارية
يقول ممدوح الولي- المحلل الاقتصادي بجريدة (الأهرام)- إنه دائمًا هناك علاقاتٌ تجاريةٌ تقف وراء مثل هذه الظواهر وتحاول الترويج لها، وهذه الشخصية تجذب الشباب الذين لهم اتجاه يساري، أما في العرب فتجد الأمر مختلفًا؛ حيث الشباب المتدين والذي لديه رؤية حول أن جيفارا كان شيوعيًّا فلا ينجذب إليه أو يقتني صوره.
ويضيف الولي: أعتقد أن العولمة لها أثرٌ كبيرٌ في انتشار صور جيفارا؛ لأنه شخصية لها البُعد الشعبي على العالم كله ويوازي حركات التحرير في الكرة الأرضية.
سطحية
د. أحمد المجدوب
ويرى الدكتور أحمد المجدوب- المستشار بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية- أن تفسير هذه الظاهرة يختلف في مصر عن أمريكا، فأمريكا قد تكون الأسباب فيها اقتصاديةً وتجاريةً بحتة، أما بالنسبة لنا فالشباب يعاني من السطحية والفراغ والضعف الشديد في الثقافة، فضلاً عن ضعف الولاء والانتماء.
ويضيف: مِن المعروف أن الشباب في كل مجتمع يهتم بالبطولة والأبطال فإذا لم يجدهم في مجتمعه يبحث عنهم في مجتمعات أخرى، ونحن للأسف الشديد ومنذ ثورة 1952م فُرض على الشباب في مصر والعالم العربي كله بطلٌ وحيدٌ هو جمال عبد الناصر، الذي صنعته الدعاية أكثر مما صنعته الأعمال البطولية الحقيقية، وبموته انتهت هذه الأسطورة، ولم يعد هناك بطلٌ حقيقيٌّ ولا بطولة في العالم العربي كاملة، وبالنظر إلى ما يجري الآن من "أمركة" مصر في ظل العولمة التي تهدف أول ما تهدف إلى إلغاء الثقافة وبالتالي هوية المجتمع المصري وتواطؤ النظام مع هذه الدعاوى وتشجيعه لها على كافة المستويات.. كان كل ذلك ذريعةً للاستجابة من جانب الشباب غير الواعي.
وينظر الدكتور أحمد المجدوب للموضوع من زاوية أخرى؛ حيث يرى أن ما يقوم به الشباب من تعليق صور جيفارا وارتداء ملابس عليها صورته ما هي إلا مجرد موضة، وكثيرٌ منهم لا يعرف من هو جيفارا من الأساس، موضحًا أن هذا يدخل ضمن التقاليع الشبابية التي يخرج بها الشباب من فترةٍ لأخرى، وطالب بعمل حملات توعية في وسائل الإعلام ومختلف الوسائل لمثل هذه الأمور