بي بي سي - لندن
الطفلة شمس خسرت يصرها في انفجار
|
هي طفلة عراقية لم تعرف، طوال حياتها
البالغة ثلاث أعوام ونصف العام، من الشمس سوى الإسم.
اسمها شمس هشام كريم. وهي تحلم بأن تستعيد قدرتها على رؤية الشمس التي لم تلمس عيناها الصغيرتان حرارتها منذ كانت في السنة الأولى من عمرها، كما قضت عامين ونصف بلا بصر، ولكنها تحرص بإصرار على الحياة وتتحدى مأساتها.
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2006 ، كانت شمس برفقة أبيها هشام وأمها وفا في سيارة العائلة، مغادرين أحد أسواق المدينة.
لم تكد الاسرة تغادر السوق، حتى انفجرت سيارة مفخخة. واتضح لاحقا أن الانفجار كان واحدا من سلسلة هجمات أودت في ذلك اليوم بحياة ما لا يقل عن مئتي شخص وأصابت مئات المدنيين العراقيين.
طال انفجار السوق سيارة هشام وأسرته الصغيرة. نجا الأب ليجد زوجته جثة متفحمة. وبحث عن شمس فوجدها ملقاة على وجهها على أسفلت الشارع المتلهب. ضمها وهي تبكي.
الملاك المكفوف يقول هشام لبي بي سي:" كانت شمس تحاول أن تغوص بوجهها في حضني ولم أكن أدرك ما حدث لها".
لاحقا أدرك الأب أن ابنته ليست هى ابنته التي يعرفها. فقد تشوه وجهها تماما. والتصقت جفون عينها. وفقدت الصلة بالضوء والشمس. ولم يبق لديها سوى اللمس والسمع للاتصال بمن حولها.
تبنت صحيفة صنداي تايمز البريطانية شمس. ونظمت حملة إنسانية لجمع التبرعات من البريطانيين لتدبير تكاليف علاجها. وبلغت حصيلة التبرعات 127 ألف جنيه استرليني. وهكذا أصبحت شمس أشهر طفلة عراقية في بريطانيا وسماها القراء، الذين تدفقت ولا تزال رسائل التعاطف معها على الصحيفة، الملاك المكفوف.
ويوم الخميس الماضي بدأت شمس رحلة التحدى لاستعادة حقها في الحياة الطبيعية.
" لم أصدق حتى الآن أننا في لندن وأن ابنتي يمكن أن يكون لديها فرصة لتستعيد بصرها لتعيش حياتها كبقية أطفال العالم"، يقول هشام.
الرحلة بدأت من مستشفى مورفيلد للعيون حيث مركز ريتشارد ديزموند، وهو الوحيد في العالم المتخصص في علاج أمراض عيون الأطفال. وفيه تجرى سلسلة عمليات لمحاولة استعادة شكل العينين الطبيعي وزيادة فرصة شمس في استعادة البصر
غير أن ياسر أبو رية، أحد أكبر الاستشاريين الذي طلب منه المركز علاج سمش، قال لبي بي سي:" الأمل ضعيف لأن العين اليسرى مدمرة تماما، أما العين اليمني فلا نستطيع تحديد حالتها الآن وإن كنا نتوقع أن الأمل فيها لا يتجاوز عشرة بالمائة".
عزيمة غريبة وذكاء حاد في عملية الخميس قضى أبورية ومساعدوه ثلاث ساعات متصلة في فك التصاقات الجفون. واضطر، كما قال، لأن يأخذ جزءا من الغشاء المبطن للفم لاستخدامه في تبطين الجفون حتى يمكن أن تعود إلى أداء دورها الطبيعي. ثم وضع في كل عين عدسة شفافة لفصل جفني كل عين كي لا يلتصقا مرة أخرى خلال فترة التئام جروح العملية.
قضى أبورية، المصري الأصل، أسبوعا في متابعة الفحوص الطبية التي أجريت لشمس في مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال ومركز ديزموند.
يصف أبو رية شمس بأنها حادة الذكاء. وأكثر ما لمس مشاعره تجاهها أنها "ترفض الاستسلام لفكرة العمى وتتمتع بعزيمة غريبة على مواجهة ظروفها".
تقول خبرة أبو رية إن أي طفل في ظروف شمس يصعب عليه الاستسلام. فهي" تمتعت ببصرها في العام الأول من عمرها ولن تكون مهمة إقناعها بأنها قد تعيش بقية حياتها بدون أن ترى ماحولها شاقة".
شظايا وأجسام غريبة تشير الفحوص الطبية الى ان وجه شمس لا زال يحتوي على شظايا وأجسام غريبة تطايرت في تفجير السيارة. وتفيد بأن بعض هذه الشظايا اخترق الرأس إلى المخ.
وانتهى الأطباء إلى أنه حتى لو تمكن الجراحون من إعادة تشكيل العينين، فإن شمس تحتاج سلسلة عمليات تجيملية أخرى لبقية الوجه، ثم إلى علاج تأهيلي نفسي وعصبي طويل المدى وبخاصة لو لم يعد بصرها.
وبدون ذلك لن تستطيع شمس، حسب تعبير ابو رية مواجهة المجتمع وممارسة حياتها الطبيعية فيه.
وبالرغم من أن رحلة التحدي التي بدأتها شمس طويلة وتحتاج إلى متابعة دقيقة مستمرة، فقد رفض أبورية تقاضي أي مقابل لدوره في العلاج مهما استغرق ذلك من وقت وجهد ويقول: "هذا أقل ما يمكنني الإسهام به في علاج شمس".
خبرة سيئة سئل الخبير المصري عما إذا كان يدرك أنه ربما يكون للاهتمام بشمس في بريطانيا أبعاد سياسية في ضوء مشاركة الجيش البريطاني في غزو واحتلال العراق، فيجيب: "لا علاقة لي بمثل هذه الأمور فأنا طبيب لا يملك إلا أن يؤدي واجبه في هذه الحالة التى ينفطر القلب لها وما يشغلني فقط هو الاجتهاد في مساعدة شمس على تحدى ظروفها القاسية ".
شمس ليست سوى حالة واحدة، ربما تكون فريدة، لمعاناة مئات الآلاف من أطفال العراق منذ غزو بلادهم حتى الآن.
"ما حدث لابنتي شاهد لا يوجد أوضح منه على أن مثل عمليات التفجير هذه لا تخدم حاضر أو مستقبل العراقيين"، يقول هشام كريم.
ويتساءل:" ماذنب ابنتى أو غيرها حتى تكون ضحية لمثل هذه السيارات المفخخة؟". كغيره من مئات الآلاف من العراقيين، هشام عضو في أسرة لها خبرة سيئة مع آثار الحرب. فزوجة خاله قتلت في انفجار مماثل، أما خاله فأصيب في ساقه ولم يلق أية رعاية في العراق.
وتقول تقارير المنظمات الإنسانية والصحية العالمية إن أطفال العراق يعانون نقصا حادا في الرعاية الصحية والأدوية.
وحسب صندوق الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف فإن عدد الأطفال الذين اصيبوا باعاقات بعد غزو العراق وصل إلى حوالى 8500 طفل.
ويوجه الأب المكلوم رسالة إلى العرب تطالب بمساعدة أطفال العراق وبأن يدركوا أن ابنته ليست سوى واحدة من مئات الآلاف من الأطفال العراقيين المحتاجين للعون.