بسم الله الرحمن الرحيم
الموعظة البليغة
الحديث عندما يصدر من القلب تتلقاه القلوب وتتأثر به ويكون له أى الحديث فعالية الترياق في الجسد المعلول بمعنى أن يصح به ويشفى من علته ، وعلى العكس عندما يكون مصدر الحديث اللسان فقط ، فهو لا يتجاوز الآذان ، ولا يكون له من الأثر الطيب ماينفع علة ويشفى غليلا . لقد كان في السلف رضوان الله عليهم من تتملكه العبرة إذا أخذ في الوعظ فتتأثر الجماهير ببكائه ، كما تتأثر بوعظه ، وتقبل على الله في توبة صادقة ، يكون بها غسل الخطايا ، واستصلاح الفارط مما كان منهم في فترة غفلة من نزوات وشطحات . روى أن بعضهم قال لرجل : - إقرأ أى شئ من القرآن فقرأ الرجل قول الله تبارك وتعالى : ( وانذرهم يوم الازفة اذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ماللظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) فقطع عليه قراءته ليعلق على الآية وكان من تعليقه : - كيف يكون للظالمين حميم أو شفيع والطالب لهم رب العالمين انك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والاغلال الى الحميم حفاة عراة مسودة وجوههم ، ينادون واسلاماه ماذا حل بنا ؟ وهم بين باكٍ دماً بعد انقطاع الدموع وبين صارخ طائر القلب ، والله لو رأيتهم على ذلك لرأيت منظراً لايقوم له بصرك ولا يثبت له قدمك ، ولا يستقر لفظاعة هوله على قرارقدمك
ثم بكى تأثرا بما قال ، وكان بين المجموعة شاب قد زلت به القدم ، فقال :- أكل هذا في القيامة ؟ قال له : نعم والله يا ابن أخي وما هو أكبر من ذلك ، لقد بلغني انهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم فلايبقى منها الا كهيئة الأنين من المدنف . فتأثر الشاب غاية التأثر ، وندم على مافرط منه ، ثم بكى واستقبل القبلة واخذ يدعو في حرارة قائلا : اللهم إني أستقبلك في يومي هذا بتوبة لك لا يخالطها رياء لغيرك ، اللهم فاقبلني على ماكان مني ، واعف عما تقدم من عملي واقلني عثرتي ، وارحمني ومن حضرني وتفضل علينا بجودك ياأرحم الراحمين . اليك انبت بجميع جوارحي صادقاً بذلك قلبي ، فالويل لي إن لم تقبلني ... ثم سقط مغشياً عليه فحمل من بين القوم صريعاً يبكون عليه ويدعون له .ذلك هو أثر الكلمة اذا صدرت من القلب ، وأثر الموعظة اذا كان الواعظ مخلصاً في توجيهها ، مؤمناً بواقعها آخذاً نفسه بالتربية على مناهجها . لقد نعت بعضهم ذلك الطراز من الواعظين في سالف العهد ، وسابق الزمان فقال : إن منهم من اذا أخذ في وعظه غدا وكأنه رجل مذعور يخيفك امره ، اولئكم البررة الأخيار الذين كان لهم السهم الوافر في إنارة السبيل أمام السالكين فقطعوا بتربيتهم المفاوز في أمن من المخاوف ومنجاة عن المآخذ والحصيلة الاّ يركن المرء الى الغفلة ، وأن يكون واكف العبرة كلما مرت به المواعظ في مختلف دروبها .
إلهي أطعتك في أحبّ الأشياء اليك وهو التوحيد، ولم أعصك في أبغض الأشياء اليك وهو الشرك بك، فاغفر لي ما بين هذين