مازال الغموض يحيط بأسباب وفاة الرئيس جمال عبدالناصر فى الثامن والعشرين من سبتمبر ١٩٧٠. وقد عرض بعض المقربين من الزعيم الراحل سيناريوهات مختلفة ترجح اغتياله، وتشير إلى طبيبه الخاص، وعملاء روس، بل إلى قيادات فى النظام المصرى الحاكم آنذاك. وإن كانت معظم هذه السيناريوهات تتفق على توجيه أصابع الاتهام نحو أجهزة مخابرات أجنبية يأتى فى مقدمتها الموساد، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
غير أن أحدث الروايات حول وفاة رئيس مصر الراحل، وأغربها، يلقى بالتهمة على أشخاص لم ولن يخطروا على بال شخص عاقل. إنهم رجال الدين اليهود الذين يزعمون مسؤوليتهم عن اغتيال عبدالناصر بعد الاستعانة بقوى غيبية، ومهارات خاصة فى الشعوذة والسحر الأسود!
«المصرى اليوم» حصلت على نسخة من فيديو بالعبرية يعترف فيه الحاخام بنياهو شموئيلى، رئيس الأكاديمية التلمودية العليا بالقدس المحتلة «نيهار شالوم»، بمسؤولية ثلاثة حاخامات عن تصفية عبدالناصر عام ١٩٧٠. والحاخامات الثلاثة هم إسحق كَدُّورى، وشاؤول داود حى معلم، ويوسف زاروق.
وينتمون جميعا لحركة القبالاه (التصوف اليهودى) المشهورة بإتقان أعمال السحر الأسود والدجل والشعوذة. ومازال لهم تأثير واسع المدى فى إسرائيل «العلمانية» حتى اليوم، من خلال مداومتهم على صنع الأحجبة والأعمال السحرية، وتوزيع البركات على الجنود، ورجال الأعمال حتى كبار السياسيين قبل كل معركة انتخابية!
مدة الفيديو ٤ دقائق، و٣٦ ثانية. يبدأ بتقرير مصور عن الرئيس عبدالناصر، والذعر الذى كان يسببه لإسرائيل بسبب مواقفه السياسية اعتبارا من سنة ١٩٥٦، وحتى وفاته. ويوضح التعليق الصوتى المصاحب للتقرير أن عبدالناصر كان مسؤولا عن تحريك رتل من الدبابات العراقية والجنود الكويتيين والجزائريين والسعوديين نحو حدود إسرائيل. كما تم تكوين وتسليح جيش تحرير فلسطين بقيادة أحمد الشقيرى بدعم وتشجيع من عبدالناصر. ونجح المصريون، فى عهده، فى توحيد العالم العربى حول هدف واحد، وهو إعلان الحرب ضد إسرائيل.
يقدم التقرير أجزاء قصيرة من خطابات ناصر، وينتهى بمشاهد لجنازته والحزن الذى انتشر فى الدول العربية بعد وفاته. ويستمر التقرير الأرشيفى على الشاشة دقيقة، و٢٨ ثانية، قبل أن يظهر الحاخام بنياهو شموئيلى، رئيس أكاديمية «نيهار شالوم- نهر السلام» لتدريس التلمود وتخريج الحاخامات، ورجال الدين فى إسرائيل.
بنياهو شموئيلى يبدأ فى إلقاء موعظة قصيرة على أتباعه يشرح فيها كيف اغتال ثلاثة حاخامات بقيادة كبير المتصوفين اليهود الحاخام إسحق كدورى الرئيس المصرى جمال عبدالناصر. بنياهو المعروف فى الأوساط الدينية اليهودية داخل إسرائيل وخارجها بأنه تلميذ الحاخام كدورى المقرب، وكاتم أسراره يقول فى الموعظة موجها كلامه للجمهور الدينى الحاضر فى القاعة: «كان الحاخام إسحق كدورى على قيد الحياة فى عهد جمال عبدالناصر.
ذلك الرئيس الذى ازداد عداؤه للسامية منذ ١٩٥٠ وحتى ١٩٧٠. أنتم تتذكرون عبدالناصر، طبعا، وما فعله قبل حرب ١٩٦٧، وما فعله بعدها، وتحديدا فى فترة حرب الاستنزاف. لكن السؤال المهم، كيف مات عبدالناصر؟ هذه قصة آن الأوان لكى أرويها لكم.
اجتمع ثلاثة حاخامات متبحرون فى العلوم الدينية اليهودية. سيدنا شاؤول داود حى مُعلم، وكان رجل دين ورعاً من مدرسة (بورات يوسف) الدينية. وسيدنا يوسف زاروق، وكان من مدرستنا الدينية، وهو من كبار الحاخامات المهاجرين لإسرائيل من مدينة طرابلس الليبية. بالإضافة إلى سيدنا ومعلمنا إسحق كدورى.
وتشاور الحاخامات الثلاثة فيما بينهم لاغتيال عبدالناصر. لكن سيدنا شاؤول دافيد معلم هو الذى قام بالمهمة الأساسية. فقد أحضر كبد بهيمة، وقلبها ورئتها. وقرر الثلاثة قتل عبدالناصر عقابا له على الكوارث التى حلت بإسرائيل نتيجة مواقفه السياسية.
واتفق الثلاثة على استخدام أسماء الجلالة اليهودية الواردة فى مخطوط دينى قديم، نسخه الربى حييم فيتال تلميذ الحاخام اسحق لوريا مؤسس القبالاه المتوفى فى القرن السادس عشر. وبعد مناقشات كثيرة، اتفقوا على كتابة الأسماء القدسية على الكبد، لاستخدامه فى قتل عبدالناصر».
ويواصل الحاخام بنياهو شموئيلى روايته التى يلقيها بتأثر شديد على أتباعه قائلا: فجأة هبطت عليهم ملائكة من السماء. ورن هاتف فى أذنى الحاخام شاؤول داود حى معلم، وقال له: «لا تفعل هذا الأمر، إياك واستخدام أسماء رب العزة». فقال الحاخام: حسنا، لن أستخدم الأسماء المقدسة، لكن عليكم أن تقوموا بهذه المهمة، فليمت عبدالناصر، ويختفى اسمه من سجل الأحياء.
وأخذ الحاخام شاؤول دافيد، والحاخام إسحق كدورى مائة مسمار صلب، وشرعوا يغرسونها فى قلب البهيمة. وكانوا يرددون بعض الكلمات المبهمة مع كل مسمار يغرسونه فى هذا القلب. وفى النهاية وضعوا القلب على موقد طبخ لمدة ثلاثة أيام، حتى تفحم تماما، وصار أسود اللون ولا يمكن التعرف عليه.
وبعد ذلك دفنوه، وأعلنوا لتلاميذهم أن عبدالناصر مات. وحكى هؤلاء الحاخامات حكايات كثيرة جدا عن هذا الموضوع. حكايات شيقة ومدهشة. لقد كانوا رجالاً أتقياء يملكون قوى من السماء. قوى هائلة للغاية.
وكانوا يعرفون طرقا رهيبة تمكنهم من القيام بأمور استثنائية، لكى يهبوا الشعب اليهودى الراحة والسكينة. هؤلاء هم حاخاماتنا الأتقياء. الفيديو العبرى المثير للدهشة تتناقله منتديات اليهود الدينيين على شبكة الإنترنت، بعد نشره فى موقع دينى يهودى محسوب على حركة «القبالاه» ومعروف باسم «هَشِّيم» هو اسم يطلق على الإله فى العهد القديم لتعظيمه وإجلاله.
وتحتوى واجهة الموقع على صورة افتراضية لهيكل سليمان، وآيات التوحيد العبرية المنقولة عن التوراة، ومقالات يكتبها كبار الحاخامات يفسرون فيها مختلف الأحداث السياسية، وعلاقتها بقرب ميعاد يوم القيامة مثل إعدام صدام حسين، والخلافات الحزبية فى لبنان، ومواقف الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد إلى غير ذلك من التطورات السياسية فى الشرق الأوسط والعالم، وتأثيرها على اليهود.
وقد نشر الموقع الدينى اليهودى تقريرا مصاحبا للفيديو الذى يتحدث فيه الحاخام بنياهو شموئيلى عن الرئيس عبدالناصر، جاء فيه، أن هذا الفيديو يعد بمثابة انفراد، حيث لم ينشره موقع على شبكة الإنترنت قبل موقع «هشيم».
ويحكى فيه الحاخام بنياهو شموئيلى، أطال الله عمره، كيف اغتال كبار الحاخامات بقيادة سيدنا القُطب اسحق كدورى (رحمه الله) الرئيس المصرى المعادى للسامية جمال عبدالناصر (قبح الله ذكره). فقد كان عدوا لدودا لإسرائيل، واخترع فكرة القومية العربية والناصرية.
وكان رئيسا للجمهورية العربية المتحدة المسؤولة عن إذاعة صوت العرب التى بثت برامج التحريض ضد إسرائيل، وسعت لنشر الرعب والخوف فى قلوب اليهود. وكان هدف الوحدة العربية هو القضاء على إسرائيل، وإلقاء اليهود فى البحر. ومازالت هذه الفكرة هى الأمر الوحيد الذى تتحد رغبة العرب لتحقيقه.
وقد تعرض عبدالناصر والدول العربية لهزيمة نكراء عام ١٩٦٧، بعد تدخل إله بنى إسرائيل. ومن يظن أن إسرائيل انتصرت فى حرب ١٩٦٧ بفضل قوة الجيش الإسرائيلى، فعليه تدبر ما جرى فى حرب أكتوبر ١٩٧٣. وقد حاول عبدالناصر بعد هزيمته فى حرب ١٩٦٧، أن يرهق إسرائيل بحرب الاستنزاف.
لكن بعد انتهاء تلك الحرب بوقت قصير، وبينما كان ناصر يفكر فى المرحلة التالية داهمته سكتة قلبية. والفيديو المرفق يقدم وجهة نظر أخرى فى كيفية وفاة ألد أعداء إسرائيل منذ انتحار أدولف هتلر صاحب المحارق النازية.
الأمر المثير للدهشة والاستغراب أن الفيديو يحظى بتعليقات متعاطفة فى الموقع الدينى، ويبدو أن زوار الموقع يصدقون ما جاء فيه من خرافات وخزعبلات.
غير أن الدكتور أحمد حماد رئيس شعبة الدراسات الإسرائيلية بمركز أبحاث الشرق الأوسط يقول فى تعليقه على هذا الفيديو: «إن إسرائيل التى كانت تفخر بأنها مركز جذب للعلماء اليهود المهاجرين من روسيا، ومختلف دول أوروبا، صارت اليوم مركزا لجذب الحاخامات المشعوذين والدجالين.
ويحظى حاخامات القبالاه بشعبية هائلة فى إسرائيل، خاصة فى أوساط اليهود الدينيين، ويقبل عليهم العوام للتبرك بهم، والحصول على الأحجبة والأعمال السحرية التى يعتقدون أنها تدفع عنهم المصائب والشرور».
ويضيف حماد: «رغم تقدم الحاخامات اليهود فى فنون السحر إلا أننى أستبعد صحة هذه القصة التى تستهدف زيادة سطوة الحاخامات على مريديهم، وتعزيز دورهم فى المجتمع الإسرائيلى».
أما الدكتور إبراهيم فريد مدرس علم القبالاه والفكر الدينى اليهودى بقسم اللغة العبرية بآداب عين شمس، فيرفض، بداية، ترجمة الباحثين لمصطلح «القبالاه» بالتصوف اليهودى.
ويعتقد أن هذه الترجمة تنبع من التشابه بين القبالاه والتصوف الإسلامى، فأتباع التصوف الإسلامى ومريدى القبالاه يسعون للالتصاق بالذات الإلهية، لكن الهدف فى الإسلام هو الفناء فى الذات الإلهية، فى حين أن الهدف فى اليهودية هو السيطرة على الذات الإلهية، عن طريق السحر، وتوجيهها لخدمة مصالح اليهود.
ويوضح فريد أن ممارسات حاخامات القبالاه للسحر الأسود ارتبطت بتحضير الملائكة الخدم فى اليهودية مثل: «بنوئيل الذى يرى وجه الإله، وجبرائيل وهو قوة الإله وعظمته، ورفائيل الذى يشفى المرضى».
ويستخدم الحاخامات قدرتهم فى تسخير الملائكة لإيذاء الآخرين. ويزعمون تمكنهم من استحضار قدرة الإله من خلال قراءة ورد معين تهبط «الملائكة الخدم أو ملائكة العرش» بعد سماعه عبر مسارات الفيض الإلهى!
وفيما يتعلق بالفيديو عن الرئيس جمال عبدالناصر، يبدو أن الحاخامات الثلاثة وهم من أكبر حاخامات القبالاه أى التفسير الباطنى للعهد القديم، استخدموا بقايا الحيوانات للاستفادة من طرق سحرية موروثة عن شعوب الشرق الأدنى القديم، خاصة البابليين والحيثيين القدماء.
وتعتمد هذه الطرق حسب الوارد فى كتب القبالاه على قراءة الطالع، وتسخير طاقة الحروف والكلمات، وحساب الجُمل والتأثير على حياة الإنسان باستخدام بقايا كائنات حية مثل الكبد والقلب والرئة.فريد الذى يرفض أفكار السحر والشعوذة التى ينشرها حاخامات القبالاه يوضح أن شائعات كثيرة ربطت بين اليهود والسحر، فقد عانى أجدادهم الويلات نتيجة اتهامهم بتسميم آبار المياه فى أوروبا عن طريق السحر الأسود.
ويزعم أحد علماء القبالاه أنه تمكن من خلق إنسان وبث الروح فيه عن طريق استخدام الاسم الصريح للإله فى اليهودية شيم همفوراش، وهو الاسم الذى انتقل لكتب السحر العربى، وعلى ألسنة العامة، وصار ينطق محرفا «شمهورش».
ولم يتمكن أحد من السيطرة على هذا الكائن الخرافى المعروف باسم «الجولم»، ونزع الروح منه، وتحويله ترابا كسيرته الأولى، سوى عالم قبالاه آخر أكثر تقوى وإيمانا بإله بنى إسرائيل