هكذا السوق المصرى يخرج من دوامة سلعة معينة ليدخل فى دوامة سلعة أخرى أشد وطأة وأكثر ضررا من السابقة، فما كاد السوق يهدأ نسبيا من صداع الحديد حتى حل الأسمنت صداعا جديدا فى دماغ المواطن العادى الذى يئن من مشاكل عدة لا تنتهى.
وإذا كان طن الأسمنت سيصل سعره – حسب توقعات الخبراء – إلى ألف جنيه قريبا، بزيادة نسبتها 300% فى مقابل الشهور الماضية، فأين الرقابة وأين السلطة وأين الدولة وأين ضمير المتحكمين فى هذه الأمور؟ فإذا وصل بالفعل طن الأسمنت إلى ألف جنيه فتلك كارثة لا يصح السكوت عنها وعليها بأى حال من الأحوال، وإلا فالألف ستصل إلى 1500 وألفين، وربما تتجاوز ذلك، ويجب ألا يخدعنا التراجع الذى حدث اليومين الماضيين فى الأسعار.
فحال السوق فى مصر لا مثيل له على الإطلاق، وأى متابع يرى فى هذا السوق أسلوبا جديدا فى المراوغة والتحايل وكسر القوانين، ولى ذراع الدولة، ويصل الأمر أحيانا إلى شراء صمت بعض المعنيين بالأمر للبقاء على واقع الحال المر الذى أصبحنا نعيشه فى أكثر من سلعة، فعام 2004 شهد ارتفاعا حادا فى أسعار المنتجات الغذائية، وجاء عام 2005 ليزيد على المواطن عبء ارتفاع أسعار الحديد، وفى عام 2006 وصل سعر اللحوم البيضاء والحمراء إلى مستوى غير مسبوق، فيما كان 2007 عام الزيادة "العامة" إن جاز التعبير لكل السلع، ليكون عام 2008 عام الشكوى والتحايل من المواطن على معيشته كى تسير على نهج الاستقرار، لكن للأسف ضاع الاستقرار فى خضم عشوائية سوق لا تحكمه أى ضوابط رغم احترامنا الكامل لتصريحات المسئولين المعنيين..
وببداية 2009، بدأ السوق المصرى وهو يتخطى كل الحدود بشأن الأسمنت الذى يعوض منتجوه حاليا الخسارة التى تكبدوها قبل نحو 9 أشهر، عند إحالة أصحاب تلك الشركات إلى النائب العام بتهمة الاحتكار، وتغريم كلا منهم 10 ملايين جنيه.. ويبدو أن الـ 10 ملايين التى دفعها المنتجون سيحصدونها 10 مليارات قريبا، فى ظل غياب أطر محددة لوقفهم عند حدود الأمان بالنسبة للمواطن، لكن يبدو أنه لا أمان من شركات الأسمنت ولا الحديد ولا أصحاب العقارات ولا مستوردى السلع ولا مصدرىها، وهو ما يعنى أن المواطن سيجد نفسه وحيدا يبحث عن ملاذ آمن يعينه على مشاكل الحياة اليومية ويتحدى به ضغوطا تحيطه من كل جانب.
ونظرا لهذا المناخ غير الصحى من الناحية الاقتصادية، فينبغى تغيير شامل لكل الأفكار والمقترحات والرؤى الخاصة برفع معيشة المواطن، وعمل حساب أيام قادمة قد يصل فيها هذا المواطن إلى درجة الانفجار لا ينفع معها أى مسكنات، ولا ينبغى إعطاء تلك الحالة الإنسانية والمعنوية مسكنات من هذا النوع "تصريحات وتبريرات وتوجيهات"، لأن تلك المسكنات لن تحل أى مشكلة، بل تعطينا نوعا من التأخر لعلاجها. وعلى الحكومة إدراك "غضب الحليم"، فالمواطن حليم وينبغى على الحكومة أن تتقى شره إذا غضب.