أحلى ما فى السفر أنه يسمح لنا بالخروج من الدائرة المغلقة لواقعنا المعيشى المحدود. عند السفر نكتشف العلاقة الجدلية بين الجزء والكل.. المحدود والمطلق.. المحلى والعالمی.
فى أيام البعاد يتجلى لعقولنا بوضوح حجم مشكلاتنا المحلية. يسهل علينا رؤية الحلول لها على ضوء الواقع المعيشى للدول الأخرى. كنت قد عاهدت نفسى منذ زمن ألا أعكر صفو الاستمتاع بأى رحلة سفر، بتلك العادة «النكدة» للمصريين عند مقارنة أسلوب المعيشة فى الدول المتقدمة بأسلوب حياتنا فى بلادنا.
وتضيع الرحلة ونحن نردد ونعيد: شوف يا أخى همّه وصلوا لإيه، وإحنا لسه فين! اشمعنى همه عندهم وإحنا معندناش، مع إننا كنا سابقينهم بسبعة آلاف سنة!!
إن كيمياء النجاح التى أوصلت بلدا مثل كندا لا يزيد عمره على ثلاثمائة سنة، جميع مواطنيه من المهاجرين ليصبح من بين الدول الثمانى الكبار فى عالم اليوم، هى كيمياء لها خصائصها الواضحة تعتمد على خمسة محاور أساسية: التربية والتعليم.. سيادة القانون.. دقة النظام العام.. العمل الجاد التنافسى.. البحث العلمى بفروعه.
كندا هى البلد الثانى على مستوى العالم فى نظامها التعليمى بعد اليابان. وهى الأولى فى مجال حماية البيئة، واحترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أن نسبة الفساد الإدارى والمالى بها محدودة بسبب الرقابة القانونية، وسيادة النظم الديمقراطية الحقيقية.
هل ترغبون فى معرفة الذى يشغل الدوائر العلمية ومراكز الأبحاث فى دول العالم الأول الآن؟ الأرقام تقول إن ١٥٠ ألف باحث من ألمع العقول العلمية تم جمعهم من بين ١٢٧ دولة، يعملون بجد ودأب فى مجالات الاختراعات العلمية التى سوف تغير وجه الحياة فوق سطح الكرة الأرضية خلال القرن الحالى.
هم يعملون الآن على اختراع مواد رخيصة لتوفير الطاقة للمصانع والسفن والعربات والطائرات على أن تكون صديقة للبيئة. هم على وشك اختراع إنسان آلى متناهى الصغر يسهل حقنه فى دم المريض لعلاجه.
البحوث ما زالت مستمرة فى مسألة التحكم فى شكل ونوع المناخ الجوى. يشتغلون الآن على اختراع جهاز كمبيوتر قادر على التفكير والتخيل. يستعدون لإقامة مستعمرات فوق سطح بعض الكواكب البعيدة!
ما يشغل الناس فى العالم الأول هو صناعة المستقبل. أما نحن؟ وعلى إيه، ما إحنا سبق وقلنا ملهاش لزوم المقارنة