كنت أشاهد مسرحية «قهوة سادة» وأضحك من قلبى ثم أغتم فجأة وأصبح على حافة البكاء.. هذه المراوحة بين الأفراح والأحزان فجرها فنانون مدهشون حول المخرج خالد جلال، وهى ترجمة رائعة لحالة انعدام الوزن التى نعيشها.. لا توجد منطقة وسطى.. انفعاليون جداً.. إما متفائلون بلا حدود.. أو متشائمون بلا حدود.. لا توجد منطقة وسطى للواقعية.. حالة هياج متواصلة والندابة هى بطلة الموقف.. أحمد شوقى كان يقول: إن الشجاعة فى القلوب كثيرة.. ووجدت شجعان العقول قليلاً.. (لا تواسنى وقل لى فكرة جديدة.. لا تبك علىّ أو معى)..
واطرح على سيناريوهات جديدة للمستقبل.. ما يحدث على الفضائيات العربية كرد فعل لمأساة غزة هو حالة من تزييف الوعى والتراشق بالألفاظ التى يعاقب عليها قانون الأخلاق الإنسانى.. هنا يكمن الخطر.. حيث لا مجال للعقلاء.. العقلاء يمتنعون.. جرب أن تطرح رأياً مغايراً أو فكراً مختلفاً.. ستجعل من نفسك «تبة» يطلقون عليها النيران..
لن يستمعوا إليك إلا إذا قلت إن سوريا شريرة وحماس هى أس البلاء والكلام حول استخدامها كورقة ضغط سذاجة سياسية وإيران أخطر علينا من إسرائيل والشيعة أخطر من الصهيونية.. وحسن نصر الله عمل إمبريالى ديماجوجى.. وكلهم لا يفهمون المشهد السياسى العالمى.. وقطر أمريكية والسعودية وهابية.. وجامعة الدول العربية هى ناد للفضفضة وإلغاؤها أفضل.. خطاب انهزامى جبار.. إسرائيل تزغرد له وتشكر السادة المروجين لغباءاته شكراً جزيلاً.. أين عقلاء هذه الأمة؟..
أين من ينصحون الحكام والناس ويرفعون الالتباس.. ستمر أزمة غزة وستعود ريمة لعادتها القديمة.. ولن نفكر فى الدروس المستفادة.. ولن نتساءل عن صندوق تنمية سيناء ولا عن استراتيجية تعمير سيناء ليس بالقرى السياحية ولكن بالمدن الصناعية والمجتمعات العمرانية والدروع البشرية.. ولن نفكر فى حل مشكلة بدو سيناء.. بعيداً عن الحلول الأمنية فقط.. ولن نحاول أن نسأل علماء الاجتماع السياسى والتخطيط العمرانى عن كيفية تحويل البدو إلى خط دفاع أمنى وإلى نواة لإطلاق «دبى مصرية»..
فهم ليسوا أقل من بدو الخليج.. ستمر الأزمة ولن نعيد النظر فى اتفاقيات الدفاع العربى المشترك ولا فى إقامة سوق عربية مشتركة ولا فى تأسيس خطاب سياسى عربى موحد فى المحافل الدولية.. ستمر الأزمة ونغسل أيدينا من الأحزان فقد أدينا ما علينا على طريقة إبراء الذمة وسنترك الفلسطينيين يعانون وحدهم وينقسمون على أنفسهم ويصبحون فريسة سهلة للصهيونية الإسرائيلية..
كيف نحول الأزمة إلى فرصة والمحنة إلى منحة.. إنها فرصتنا فى العالم العربى لنعيد النظر فى أنفسنا ونبنى استراتيجية جديدة قائمة على العقل وليس على العويل أو التصفيق كما يفعل الببغاء لأن عقله فى أذنيه يضبط ذبذباته دائماً على التصفيق لبيانات العنترية بقوة تصل إلى ٦٠٠ هيرتز ثم يسقط جثة هامدة.