كنت أحفر بأرضي بالمنطقة 3600 رش وتنقيط، حين انفجر من أرضي لغم في ذراعي التي كانت تمسك بالمحراث، فقطعها واطاح بالمحراث من يدي إلي الابد". لم يكن أسعد سعد (35 سنة، مزارع) يعلم أن هذه الأرض الذي باع مصاغ أمه وزجته كي يدفع مقدم ثمنها، وترك بلاده وأهله وجاء إليها، ستكون سبب شقائه. فبدلا من أن تنبت له الأرض قمحا، أنبتت له لغما أطاح بيمينه وحوله إلي عاجز يحيا ما تبقي من عمره بذراع واحدة.
يستكمل أسعد سعد قصته قائلا: "منذ ذلك الحين وامي وزوجتي تتحملان العبء الأكبر في الزراعة، إذ لم يعد لدينا بديل عن هذه الأرض بعد أن بعنا كل ما نملك وهجرنا بلادنا وجئنا إلي الصحراء منذ أكثر من 4 سنوات". ويضيف "إذا كانت وزارة الزراعة تسألني الآن عن حق انتفاعي بالأرض طيلة السنوات الأربع الماضية رغم ان الأرض لم تنتج حتي الآن، فأنا أسألها: من يعوضني عن عاهتي و يعوض أمي العجوز التي صارت تزرع بنفسها الأرض لتعول ابنها العاجز؟. أليس من حقي أنا الآخر ان يقاضي الجهات التي سلمتني الأرض دون أن تتأكد انها خالية من الالغام؟".
أسعد سعد لم يكن ضحية الالغام الوحيدة، فهناك ضحايا أخرين سقطوا علي بعد عشرات الافدنة من ارضه، منهم الطفل رزق جرجس وجدي (13سنة) الذي جاء مع ابيه وامه وإخوته الخمس لاستصلاح أراضي القنطرة شرق. كان أمل الأسرة الصغيرة أن تضمن مستقبل الابناء بهذه الأرض لكن ما حدث أن ألغام القنطرة شرق حوَّلت أحلام الاسرة إلي ذكري مريرة لا تزال عالقة في ذهن ضحيتها رزق.
يذكر الطفل ذلك اليوم قائلا "كنت أساعد ابي في حرث الأرض حين فوجئت بانفجار ضخم، شعرت بعدها بألم شديد في وجهي كله وذراعي، وظل الالم يزداد حتي فقدت الوعي تدريجيا، وقتها لم أع شيئا الا صوت أمي تصرخ " ابني راح مني، الأرض دي خدت منا كل حاجة، ومخدناش منها غير الهم".
فقد رزق بسبب انفجار اللغم عينه ويده اليسري، وتسبب الانفجار في إصابته بتشوهات وجروح عميقة في صدره ورقبته. وبالطبع لم يكن والد رزق يملك مصارييف علاج صغيره بعد أن باع كل ما لديه ليحصل علي أرض الاحلام التي أصابت قرة عينه بعاهة مستديمة. بوجه حزين قالت مريم حنا، والدة جرجس، "بعد الانفجار هرعنا للمستشفي الذي كان يبعد عن المكان بنحو 30 كيلو متراً. ورغم خطورة المنطقة وتكرار الحوادث من هذا النوع إلا أن المستشفي لم يكن مجهزاً علي الإطلاق لاستقبال الحالات الخطرة، فحملنا صغيرنا للمستشفي العام بالاسماعيلية، وهناك أنفقنا آخر ما نملك، رغم ذلك لم نستطع ان نعيد للصغير عينه أو ذراعه". تستكمل والدة جرجس باكية "بعد أن كنا نملك قطعة أرض في المشروع اضطررنا لبيعها كي ندبر مصاريف العلاج". ولانه لم يعد في بلادهم ما يعودا إليه بعد أن باعا املاكهماً وبيتهماً كي ما يدفعا مقدم هذه الارض، بقت الأسرة في أرض المشروع تعمل جميعها كأجراء عند المزارعين الذين أكدت مريم أنهم كثيرا ما قدموا مساعدات للأسرة كي ما تعود للصغير عينه وذراعه، تصمت مريم قليلا ثم تضيف "الجميع الآن يمر بأزمات خانقة فلا الأرض تنتج ولا خسائر المزارعين تتوقف.. نحن الآن نعمل فقط لنسدد ديوننا لمن ساعدنا من المزارعين، ولا نتقاضي أجرًا، وإذا حدث وتقاضينا أجرا من مزارع نسدد به ديون مزارع آخر".
يقول عثمان عبد العليم- مزارع- هذه الحوادث تكررت أكثر من 25 مرة، وراح ضحيتها أطفال وشباب ونساء. وسبق أن تقدمنا بالعديد من الشكاوي للمسئولين وطالبنا بتطهير الأرض، وبالفعل تم نزع الأراضي من أصحابها لمدة سنة كاملة، بدعوي تطهير المنطقة ثم اعيد تسليمها للمزارعين مرة أخري بزعم أنها اصبحت آمنة تماما، وما إن عاد المزارعون لأراضيهم حتي عاد مسلسل انفجار الألغام من جديد، وكان أسعد الذي فقد يده في انفجار لغم منذ ستة أشهر آخر الضحايا
جريده البديل