ربما لم تكن مشقة رحلة السفر إلي القنطرة شرق تضاهي حجم المشقة التي يتكبدها المواطنون للحصول علي "الجاز" لسياراتهم. إذ تحول الجاز في القنطرة شرق، وفي سيناء كلها، إلي ما يشبه "الزئبق الأحمر" الذي ينقب عنه الجميع.
في الرحلة مرت السيارة علي اكثر من 5 محطات بنزين في المسافة ما بين القنطرة شرق وغرب. وفي كل محطة نتوقف لنكرر سؤالنا عن "الجاز" نادر الوجود، حتي انتهي بنا المطاف امام محطة بنزين شاهدنا فيها "عربة السولار" فتأكدنا نحن و عشرات سيارات النقل التي اصطفت حولنا- أنه الفرج.
صاحب المحطة صاح في الجميع "مفيش جاز امشوا من هنا" فبدأت مشادات كلامية بينه وبين السائقين تطورت لتشابك بالايدي. وبينما الجميع مشغول في "معركة الجاز" لمحنا سيارات نصف نقل تحمل "جراكن" ضخمة تملؤها بالسائل الثمين فيما وقف رجال الشرطة يشاهدون الموقف من بعيد لبعيد.
بعد أن امتلأت "جراكن" السيارة بالجاز، تحرك أمناء الشرطة لفض الاشتباك الذي تذكروه فجأة، في الوقت نفسه كانت "جراكن الجاز" تخرج سالمة علي في السيارات وتختفي بعيدا عن الجميع. هنا ايقن السائقون أن عراكهم مع صاحب المحطة لن يجدي، فأخذ كل منهم سيارته ومضي.
بعد ذلك حاولنا تتبع السيارة المحظوظة، لكنها ذابت وسط زحام السيارات، ثم عادت للظهور مرة أخري لتفرغ "الجاز" في "جراكن" صغيرة يحملها بعض العمال ويتجهون إلي أماكن تخزين متفرقة.
يقول سليمان مجاهد أحد السائقين علي الخط :"الجاز بيتباع في فلسطين الصفيحة بـ200 جنيه واحنا هنا تتعطل أشغالنا، والجاز بيتهرب من الأنفاق أو المعبر، ومن يمتلك "الجاز" في سيناء يمتلك كنزا، ومعظم أصحاب محطات البنزين هم مافيا "جاز" يبيعونه اما لتجار السوق السوداء الذين رفعوا سعر الصفيحة من 22 إلي 35 جنيهاً، أو يهربونه لفلسطين بسعر 200 جنيه للصفيحة".
ويضيف سائق آخر- رفض ذكر اسمه- أن "الشرطة علي علم بكل ما يحدث، وكثيرا ما تهيئ الأجواء لسيارات التهريب وتضمن وصولها لأماكن التفريغ والتخزين مقابل عمولة".
من يزور المكان سيكتشف بسهول أن كثيرا من اصحاب الحرف غيروا نشاطهم إلي تجارة السولار، فمن الطبيعي أن تري محل "كوتش" يعمل في "الجاز"، أو ميكانيكي يبيع السولار، وإذا كانت علاقاتك جيدة ستجد من يوصل صفائح الجاز إلي منزلك في ظلام الليل بشرط أن تدفع نظير "أجرة ديليفري الجاز".
ورغم أن المسافة بين القنطرة شرق والقنطرة غرب لا تتعدي عرض قناة السويس التي تقتطعها المعدية في دقائق. إلا أن كثيراً من الصفقات يتم الاتفاق عليه أثناء هذه الرحلة القصيرة، إذ يعتبر نقل الجاز من القنطرة غرب إلي القنطرة شرق من خلال المعدية بمثابة "تهريب المخدرات" حيث يحرز رجال التموين السولار المنقول إذا عثروا عليه. وهو ما اشار اليه مجاهد قائلا: "ذهبت إلي البر الثاني أبحث عن الجاز وبعد أن دفعت في الصفيحة 35 جنيهاً كي أستطيع أن أعمل بالجرار لمتابعة مصالحي، وقف لي رجال التموين علي المعدية وأخذوا الصفيحة وقالوا: "هات جواب من وزير التموين إنك عايز جاز، وتعالي خد اللي أنت عايزه". ويضيف متعجبا "الله اعلم بقي هما خدوا الجاز وعملوا بيه إيه؟