قبلة العشاق وملاذ الغلابة.. كوبري قصر النيل الذي تجتمع عنده الخضرة والماء والوجه الحسن، لم يكن في نية بانيه، الخديو إسماعيل، أن يكون لهؤلاء أو أولئك، لكنه سعي عند التفكير في إنشائه عام ١٨٦٨، لربط أرض الجزيرة بالقاهرة، وفرض رسوماً للعبور عليه، تختلف حسب العابر من حيوان أو إنسان.
يقع كوبري «قصر النيل» الذي يعد بداية القاهرة الخديوية عند قاعدتها بالقرب من ميدان التحرير، ويعد أول كوبري ينشأ في مصر للعبور علي النيل، تميزه تماثيله الأربعة من الأسود الضخمة البرونزية القابعة عند مدخليه، مانحة الخديو إسماعيل وكل من تسمي باسمه، لقب أبوالسباع.
وقد أطلق علي الكوبري اسم قصر النيل، نسبة إلي قصر نازلي هانم ابنة محمد علي باشا، الذي كان موجوداً بالقرب من ميدان التحرير حالياً، وكان يسمي بقصر النيل. وكان الخديو إسماعيل أمر نظارة الاشغال عام ١٨٦٨، أثناء بناء سراي الجزيرة، بإقامة كوبري يكون حلقة الوصل بين القاهرة والجزيرة.
وقدرت تكلفته حينها بنحو ١١٣ ألفا و٨٥٠ جنيها مصريا، وعهد في تصميمه وتنفيذه إلي شركة «فيف ليل» التي اشترط الخديو اسماعيل عليها، اتساع طريقيه، مبرراً رغبته بقوله إنه لا يصمم لعصره فقط، ولكنه معبر لأجيال تأتي بعده أيضاً. بعد ثلاث سنوات وفي عام ١٨٧١ كان اكتمال بناء الكوبري بطول ٤٠٦ أمتار، وعرض ١٠,٥ متر،
منها ٢,٥ متر للرصيفين الجانبيين وطريق بعرض ٨ أمتار للمارة. وقبل السماح للمارة باستخدامه، تكونت لجنة للتأكد من متانة الكوبري وصلابة تصميمه، فأمرت بإحضار فرقة مدفعية بكامل عتادها لتمر عليه ٦ مرات متتالية، فتأكد للجنة قدرة الكوبري علي تحمل الأثقال.
رسوم العبور علي الكوبري تحددت بربع قرش للرجال والنساء، مع إعفاء الأطفال والغزلان، وكان رسم مرور العربات المليئة بالبضائع قرشين، والفارغة قرشا واحدا وظل الكوبري يعمل علي نقل الناس والدواب والبضائع حتي عام ١٩٣١،
حينما وضع الملك فؤاد حجر أساس لكوبري جديد في ذات المكان، يتواءم والزيادة في حركة النقل علي الكوبري، وأطلق عليه إسم والده الخديو اسماعيل إحياءً لذكراه، وكان طول الكوبري ٣٨٢ مترا،
وعرضه ٢٠ مترا، وبلغت تكلفة إنشائه وقتها،٢٩١ ألف جنيه مصري، وافتتحه الملك فؤاد عام ١٩٣٣ وبعد قيام الثورة أطلق مجلسها اسم «التحرير» علي الكوبري والميدان المجاور له، لمحو اسم العائلة العلوية وآثارها، ولكن ظل الكوبري في أذهان المصريين مرتبطاً باسمه الأول «قصر النيل»، متقبلين اسم «التحرير» علي الميدان من دون الكوبري.