في أثناء مروره أمام الباب المفتوح وجدها مازالت نائمة في الركن الداخلي من حجرة الأولاد شبه المعتمة, وهي مغطاة كلها وعلي رأسها مخدة. كانت ضئيلة وغير واضحة, ولكنه كان قادرا وحده علي معرفة إن كانت تحت الغطاء أم لا.
منذ تزوج الولد الكبير وذهب ليعيش بعيدا, ومنذ تزوج الولد الصغير وذهب ليعيش بعيدا وهي تنام في حجرتهما.. كانت تفتح النافذة الكبيرة وتهويها وترتب سرير كل واحد وكذلك دولابه الصغير, وبين حين وآخر كان يلمحها وهي واقفة تتفقد ما تركاه من ثياب البيت أو تضع بعضها في الغسالة أو تعطيها للمكوجي..
وكان يلومها عندما يراها واقفة أمام الولد وزوجته إذا امتد بهما السهر وأوشكا علي الرحيل, ويسمعها وهي تقول:
ما تخليكوا الليلة دي ياحسين. حاجيب جلابية لهدي, وانت هدومك مغسولة وزي الفل.
وتمد يديها تعرض الهدوم. وكان حسين يقول:
علي إيه بقي ياماما. نروح بالمرة.
وبعد انصرافهما كان يقول لها:
أنا من رأيي إنك ما تطلبيش من حد فيهم يبات. اللي عاوز يبات يبات واللي مش عاوز هو حر.
وكانت تقول:
هو انا اتعلقت في رقبته. ما اللي يبات يبات واللي مايباتش ما عنه ما بات.
وإذا باتت يوم السبت في سرير الولد الكبير تبات الأحد في سرير الولد الصغير.
وهو انتبه إلي أنها نادرا ما نامت إلي مثل هذا الوقت, وخطا داخل الحجرة وانحني لكي يري تردد نفسها تحت الغطا, ورغم أنه ظل محنيا عليها محدقا في المكان الذي توجد بطنها تحته والذي يجب أن يرتفع وينخفض إذا تنفس الانسان, إلا أنه لم يلحظ أي حركة وقال في سره: مصيبة يا واد يكون جري لها حاجة.
وغادر الحجرة. اتجه الي الصالة ومنها المطبخ, وفي أثناء مروره ألقي نظرة سريعة علي شاشة التليفزيون المفتوح ووضع البراد علي البوتاجاز ولقم الكوب شاي وعاد الي الصالة. اقترب من الحجرة وأطل من بعيد ربما تكون نامت علي ظهرها أو جنبها الآخر ولكنها كانت علي الوضع الذي تركها عليه منذ قليل.
ولو كان حدث شئ سيتصل بالأولاد طبعا ولكن ماذا سيقول لهم؟ وفكر أن أحسن شئ يتمالك أعصابه ويتكلم بصوت هادئ ويقول للولد: أنت فين؟ والولد حايقول مثلا أنا في الحتة الفلانية أو حايقول: فيه حاجة والا إيه؟.
حينئذ يقول هو:
أبدا أصل أمك تعبانه شوية, ويقفل الخط
طيب وبعد ذلك؟ لا هو ولا الأولاد يعرفون ماذا يفعلون, سوف يتصل بشقيقها أو يطلب من أحد الأولاد ان يتصل به, وانتبه الي ان رقم تليفونه ليس معه, وفكر أنه سوف يحصل عليه ويقيده في النوتة, وتذكرها أيام ما كنت شابة جميلة ولاتكف عن الضحك وصعبت عليه جدا وشعر بالحزن وكادت الدموع تنزل من عينيه
وقال: ياعيني يامحاسن, وقام دخل الحجرة الأخري وارتدي القميص والبنطلون وفكر ان ينزل يصرف المعاش من ماكينة الصرف القريبة ويعود, واذا وجدها نائمة فسوف يهزها بنفسه, وانتهي من شرب الشاي وربط فردة الحذاء الأخري وسمع صوتها يقول: أنت خارج والا إيه؟
قال: رايح أصرف المعاش
وكأنما اتجهت الي المطبخ, واتجه هو الي الباب