ابو حنفى الموضوع المميز
عدد الرسائل : 5968 تاريخ التسجيل : 18/08/2008
بطاقة الشخصية الشعراء:
| موضوع: عرق علي الورق الثلاثاء 11 نوفمبر - 20:39 | |
| الكاتب / خيرى شلبى ------------------
صدام حضاري بين القلم البسط والقلم الأبنوس! منذ وقت مبكر جدا تصدي استاذنا الكبير يحيي حقي لظاهرة الكتابة العربية بحروف غير عربية!.. اقصد هذه الحروف التي بدأت تفرضها علي مطابعنا الشركات الاجنبية، وهي حروف ليست علي القواعد الهجائية العربية بجميع مدارسها: الرقعة، النسخ، الثلث، التاج، الفارسي، الكوفي.. إلخ.. إلخ.. نبه اليها بكل قوة ودأب ومثابرة، في عدة مقالات نارية، وعلي امتداد ما يزيد علي عشر سنوات، ولكن صرخاته ضاعت في الزحام المجنون، ذلك ان اجراس الخطر لابد ان يضيع صوتها وسط الضجيج المحموم. ولكن ذلك ليس يمنعنا من إعادة طرح ذلك الصوت بتلك الصرخة المدوية لعلها تبلغ الآذان التي لم يصبها الصمم بعد، ما كنت لأدع جانبا هذا الوصف العبقري الذي يقدمه يحيي حقي للخط العربي ولجماله ولعظمته، لولا ان يحيي حقي نفسه يصرفنا عن هذا الغزل إلي ما هو اهم، الي الانتباه للخطر المحدق بالحرف العربي، ولربما اقتضي الامر ان يكون لنا اكثر من لقاء حول هذه المهمة لنعيشها من خلال وجهة نظر يحيي حقي وهي في حقيقة امرها دراسة رائدة غير مسبوقة غير ملحوقة مع الأسف. لقد بدأ برصد الظاهرة الخطيرة منذ وقت مبكر، من جذورها، كان ذلك في عام ثمانية وستين بعد التسعمائة والألف، في مقال له بجريدة التعاون، وهذه المقالة إذ تنسلك الآن في واحد من اهم كتبه بعنوان »عشق الكلمة« لا تزال أفكارها طازجة ساخنة. انه يري ان الخط العربي ـ العزيز علينا كما يصف ـ يواجه الآن ثلاث مشاكل عويصة: الاولي: زيادة فاحشة في رداءة الخط العربي الذي يكتب به تلاميذ المدارس.. كان لابد من البحث: هل لأنهم يكتبون بسن رفيعة لقلم أبنوس ـ هو في اغلب الاحيان رديء جداً ـ بدلاً من القلم البسط المقطوم الذي كنا نكتب به في طفولتنا؟.. والعودة للقلم البسط مستحيلة، هل جارت البرامج علي حصة الخط العربي فأنزلتها إلي أدني المراتب.. قدراً وعدداً؟ ما هي حكاية مدارس تحسين الخطوط التي يتخرج فيها معلمو الخط، لماذا لا يأتي الاهتمام بها إلا في ذيل المعاهد العلمية؟ هل هي قادرة حقا علي تخريج معلم الخط الكفء؟ وهل يخصص لهذا المعلم مرتب يساويه ببقية المعلمين؟ لا يزعجك أن يقال لك بلهجة تأكيد إن خط بعض معلمي الخط أسوأ من خط التلاميذ. المشكلة الثانية: وسائل الإعلام كشاشة السينما والتليفزيون ومانشتات الصحف وملصقات الجدران وعناوين القصص والقصائد.. يفط النيون.. بطاقات زجاجات العطور والادوية.. ورق لف الفاكهة المصدرة.. إلخ.. إلخ.. هذه هي مجالات طارئة علي الخط العربي.. لها متطلبات عصر حديث.. له ذوق حديث.. وصفة الحداثة هي التي دفعت بعض الفنانين الي العبث بالخط العربي عبثا شديدا.. لم تعد الكتابة خطأ له قواعده بل رسم مطلق الحرية.. والسؤال هو: هل نقيد حرية الفنان بضرورة عدم تشويه الخط العربي.. هل هناك وسيلة للتوفيق بين هذه القواعد ومتطلبات العصر الحديث؟ المشكلة الثالثة: ثالثة الأثافي كما يقول العرب هي ان الطباعة الحديثة دلقت علي رؤوسنا مصيبتين كبيرتين.. الأولي: هذا البنط الذي اصبحت تطبع به كثير من الصحف.. وأن قراءة عسيرة كل العسر وبخاصة علي عيون شعب ترتفع فيه نسبة لابسي النظارات عن أي شعب آخر، لا لأن الأحرف دقيقة جدا ومقرطمة فوق البيعة.. بل لأنها متنكرة لجمال التنسيق بين الحروف في الكلمة العربية كما نألفها، فدمامتها هي السبب الاكبر في عسرها، السؤال: من الذي وضع رسم هذا البنط؟ بالتأكيد ليسوا كبار خطاطينا العظام، إنما ترك الامر للمصانع الأجنبية تعمل بنا ما تشاء ونحن صاغرون. والخط هو وسيلة كتابة اللغة »واللغة المكتوبة هي اهم وسيلة لاكتساب العلم، فالثقافة كما تري معتمدة في نهاية الامر علي الخط.. فما قولك في مستقبل أمة ينشأ أبناؤها فيكتبون وهم صغار خطاً رديئاً.. ثم لا تقع أعينهم وهم كبار إلا علي خط مشوه، أو مليء بالأخطاء، وعسير القراءة كل العسر.. خط دميم كل الدمامة.. لا شك ان مستقبل ثقافتنا مهدد بخطر كبير.. ينبغي ان ننتبه لهذا الخطر وندق له الأجراس.. ونعترف به ونواجهه مواجهة صريحة جريئة. ولا تقف مهمة الكاتب الكبير عند حد الرصد الدقيق للظاهرة الخطرة، ولا عند التنبه إليها، إنما هو يقترح وسائل الإصلاح علي هذا النحو: أولي وسائل الإصلاح في نظري هي ان نفصل تمام الفصل بين الجانب الجمالي والجانب النفعي للخط العربي.. الجانب الجمالي علي العين والرأس.. هو كنز ثمين نعتز به ونطالب له بالازدهار والنمو، بل نطالب بأن يصبح عماد مدارسنا الجديدة في التطوير التجريدي ليكون لها طابع ذاتي يميزها عن الطابع الأوروبي لتكون لها الأصالة لا التقليد، اما الجانب النفعي، أي وظيفة الخط باعتباره وسيلة للكتابة لا للزخرفة فلابد ان نشرع فورا في تبسيط الخط العربي أي التقليل إلي الاقل الألزم من الصور العديدة التي يختلف فيها الحرف بحسب موقعه من الكلمة.. وهذه هي مسئولية مجمع اللغة العربية، وقد اعد المجمع بعد دراسات طويلة.. مشروعا بهذا التبسيط، ولكنه منسي في الادراج، فينبغي ان يبعث وينفذ، والمطلب الثاني موجه الي وزارة التربية والتعليم.. كما اود ان يكلفها مجلس الامة ـ مجلس الشعب ـ بأن تقدم له تقريرا شافيا عن حالة الخط العربي في المدارس وأسباب تقهقره ووسائل إصلاحه.. المطلب الثالث لا أدري إلي من أتقدم به، مطلب ان يوكل الي خطاطينا العظام دون غيرهم وضع رسوم حروف الطباعة من جميع الابناط كبيرها وصغيرها. علي ان اهتمام يحيي حقي بمحنة الخط العربي يسبق هذه المقالة ففي جريدة المساء في العام الثاني والستين بعد التسعمائة والألف نشر مقالة عنوانها »فك الخط« يبدأه بنذير قوي.. حيث يقول إنه قد آن الأوان لأن يقف جميع المثقفين وقفة رجل واحد لوضع حد للانهيار الذي اصاب اخيرا الخط العربي عندنا، سواء خط اليد في المدارس الابتدائية او خط الطباعة، وبالأخص في الصحف والمجلات.. ويري ان سكون وزارة التربية والتعليم امام انهيار خط اليد في المدارس الابتدائية كان خطأ جسيما بلغ حد الجريمة، بعد ان انعدم الاهتمام بتعليمه، ويشخص الوضع في خريطة دقيقة فيقول: ومن الغريب ان علاقة بدء انهيار خط اليد التي تمثلت في فتح مدرسة خاصة لتحسين الخطوط، كأن الذي أنشأها أراد أن يغسل يديه من مسئولية نكسة الخط العربي.. وكانت الضربة القاصمة ظهور طريقة شرشر التي تحول اهتمام التلاميذ من الحرف الي الكلمة، ويطل معها ايضا تحفيظ حروف الهجاء ونطقها بالحركات، والحرف لا الكلمة هو عماد الخط، وقد أشرق عهد القلم الأبنوس.. فساحت الفروق بين الخطوط بين الفروق الثلاثة، ووصلنا بحمد الله إلي خط واحد هو أشبه شيء وبخربشة الفراخ. ولننظر جيداً في هذا الرأي الخطير الذي يدلي به يحيي حقي في هذه المحنة الخطيرة العجيبة التي تعتبر من اخطر المحن التي تواجهنا. وهو رأي له أهميته القصوي إذ فهمنا أبعاده حتي الفهم وربطناه بالمخطط الذي وضعه لنا الاستعمار من قديم الأزل.. والرجل مع ذلك يتحفظ قائلاً: وقد اتهم بالتخريف إذا زعمت هنا ان الإنتاج الصناعي للحضارة الغربية، كما قضي علي حرف يدوية عديدة عندنا كانت هي ملاذ فنوننا الأصيلة، قضي ايضا بالقلم الأبنوس ثم بالترابرايتر علي الخط العربي.. وليس من قبيل الهزل قولي ان الصدام بين الحضارتين الغربية والشرقية تمثل في اصدق صورة وأحدها في هذه المعركة التي دارت بين القلم البسط والقلم الأبنوس والتي خرج منها القلم الأبنوس مقصوف الرقبة مهشم الأسنان.. وما العمل؟ وكيف أصل إلي أفضل توثيق لا مناص منه بين الموروث والمستورد. ولما كان من الصعب ان نتمسك بالقلم البسط في مواجهة القلم الابنوس فقد كان من المفيد في رأيه ان نبتدع نمطا واحدا للخط العربي يجمع بين الخطوط الثلاثة ثم يلغيها جميعا: فتتقن أصوله وحدوده وتثبت مقاييسه ونسبه ليكون هو الذي نعلمه في المدارس لأولادنا حملة القلم الأبنوس.. غير أننا لم نفعل شيئاً من هذا، ولكي لا نتهم بالتخلف وقعنا في أشد من التخلف، وقعنا في الغفلة. يتحدث يحيي حقي عن أهمية تعدد انماط الخط العربي ويربطها بطبيعة الحياة العربية وكيف أن الحروف العربية تحمل خصائص هذه الحياة، ويستعرض لوحات الخط العربي.. التي تمثلت فيها كل الطاقة الإبداعية التشكيلية للفنان العربي في ظل تحريم التصوير.. هذه اللوحات الموجودة في نقوش الحياة نفسها ويقول: نعم لن ينقطع لنا تحسر علي غدرنا بجمال الخط العربي، ولكننا قوم دربنا علي هذا التحسر وتجرعنا كئوسه مراراً حتي سكرنا ولم نعد نحس لذعة تحسر جديد، ونحن قوم أرخينا الأجفان، قائمة سوابقنا طويلة، فكل جريمة جديدة مهما بشعت لا تهز شعرة في رؤوسنا.. كم تحسرنا علي صانع المشربيات التي تحيل صرخة الشمس إلي مناغاة، مرضع حنون، فيها رقص لحن هامس رشيق، المنابر التي تدري هل النظر أو اللمس هو الاكثر استمتاعا بسحر انسراب سحرها وفقا لنظام خفي كأنه الروح للجسد.. الثريات التي تحسبها علي الارض من فرط صبابتها، هي وعاء من نور لنور.. الفسيفساء التي تجمع من الالوان كل عاشقين جنبا لجنب.. الزقاق الذي يرق كأنه رغوة صابون.. القماش المهفهف كالنسيم.. أنية الفخار التي كأنها تناديك من فرط حبنا فيها: خذني في حضنك.. أين هذا كله؟ ألم نتحسر عليه حتي سكرنا من طول التحسر.. فلماذا كان حلالا.. ويكون حراما ان نتحسر علي جمال الخط العربي؟ ويحيي حقي العظيم لا يتحسر فحسب علي جمال الخط العربي، بل يتحسر بالأكثر علي هؤلاء المثقفين الذين يفرطون في جمال خطهم، ويدلي في ذلك برأي قد يبدو غريباً وغير منطقي، لكننا لو تأملناه فربما أدركنا صدقه وأهميته إذ هو يقول بكل تأكيد وحسم: مستحيل علىَّ ان أقيم وزنا لرجل له خط طفل جاهل.. ستقول أنت متعنت، أو دقة قديمة، ولكن المسألة ـ صدقني ـ أخطر مما تتصور.. انها ليست مسألة جمالية.. انني لا اشكو من إهداره لجمال الخط العربي ولا اقيم لهذا الإهدار وزناً، وإنما هو إيماني بأن نضوج الفكر له دلالة واضحة هي نضوج الخط.. فكما يتحول الطفل في تفكيره من السذاجة الي الفطنة يتحول خطه كذلك من الطفولة الي الرجولة، والحركتان متلازمتان، فالسيطرة علي الفكر تصحبها سيطرة علي الخط، فالخط الصبياني لهذا الافندي المثقف دليل عندي علي ان فكره عاجز عن بلوغ درجة النطق.. وحد هذا الإيمان هو في طبقة الذين جعلوا الكتابة لا النطق أولي وسائل التعبير عن انفسهم، أما الرجل العامي فلا يمنعه جهله بالخط أو عدم إحسانه له إذا تعلمه علي كبر من ان يكون له رأي ناضج كل النضج، وعشمي ألا تحسبني أخلط بين سذاجة الخط ورداءة الخط، فكثير من عظماء الناس ـ سعد زغلول مثلاً ـ كانت لهم خطوط رديئة تعسر قراءتها.. ولكن رداءة الخط وسذاجته شيء آخر.. ومرة أخري يؤكد أن ابتكار نمط للخط العربي يجمع بين البساطة والجمال، وتقنين أصوله ومقاييسه ونسبه، ويعلم لأولادنا حملة القلم الأبنوس في المدارس يعكس أيضاً ان بعض الآراء المتفق عليها في تبسيط النحو بحيث لا يكون لها مساس بجوهر اللغة وقدسيتها، ككتابة الهمزة مثلاً. وكما تمثل انهيار الخط العربي بالمدارس في هزيمة القلم البسط أمام القلم الأبنوس ثمة انهيار الخط العربي المطبوع في هزيمة عيون صندوق صف الحروف في المطبعة، وهي تعد بالمئات، أمام آلة اللينوتيب المستوردة أيضا،ً فقد كانت حروف العيون القديمة من تصميمنا نحن فكانت جميلة ومريحة ويؤرخ يحيي حقي لانهيار خط الطباعة بظهور التيرابرايتر العربية التي انتجتها المصانع الأجنبية، وسرعان ما ظهرت من هذه الآلة اصناف جديدة اهدرت جمال الخط العربي، وبظهور آلة اللينوتيب والبنط تسعة فقد الخط العربي شخصيته وباتت قراءة الصحف عذاباً يعمي البصر. | |
| |
|
سمر سيناتور
عدد الرسائل : 8530 تاريخ التسجيل : 06/08/2008
| موضوع: رد: عرق علي الورق الأربعاء 15 أبريل - 23:55 | |
| | |
|
ابو حنفى الموضوع المميز
عدد الرسائل : 5968 تاريخ التسجيل : 18/08/2008
بطاقة الشخصية الشعراء:
| |