المسكوت عنه مغضوب

لم يصدق مواطن واحد في المنطقة العربية الادعاءات الأمريكية التي زعمت ان الخطر النووي الإيراني لا يقتصر فقط علي إسرائيل وأنه موجه أساساً‮ ‬لدول الخليج العربي التي تدور حولها أحلام‮ »‬الامبراطورية الفارسية الجديدة‮« ‬ولم تؤثر عليهم حملة الدعاية الشرسة التي وجهتها السياسة الأمريكية في هذا الصدد وربما لم يصدقه أيضا ما قاله حكامهم من الملوك والأمراء والرؤساء الذين تولوا مهمة تنفيذ وتأييد الحملة الأمريكية بل وأيقنوا في أعماقهم أن السياسة الأمريكية تكيد للإيرانيين بسبب تحمسهم للقضية الفلسطينية ووقوفهم بالمرصاد للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلي دفن الحلم الفلسطيني بالاستقلال واسترجاع الأرض والوطن‮.‬ أدرك الأمريكيون بسرعة أن كيدهم سيرتد حتما إلي نحورهم وأن هجومهم المباشر علي الحكومة الإسلامية في إيران سيتحول الي مزيد من تعاطف العرب معها ولهذا‮ ‬غيروا نقطة الوثوب بسرعة ولجأوا إلي إشعال فتيل القنبلة القديمة الموقوتة التي ستنفجر إذا أتقنوا التدبير بين العرب وإيران تلك القنبلة التي بالطبع مشكلة الانقسام المذهبي والعداء التاريخي بين‮ »‬الفرس‮« ‬والعرب‮. ‬هكذا انتشرت بوادر النعرة والفتنة النائمة وبدأت الأحاديث والتحذيرات تنطلق في البلاد ذات الأغلبية السنية‮ »‬وكلها تقريباً‮ ‬تدور في فلك السياسة الأمريكية‮« ‬وتُنبه إلي خطورة‮ »‬الغزو الشيعي‮« ‬الذي يدق علي أبواب الدول السنية ويقتحمها بالتدريج ليوجد لنفسه رءوس جسور للاجتياح المنتظر‮.. ‬في مصر مثلاً‮.‬ منذ فترة ليست بالقصيرة صدر قانون يحظر تكوين أي تنظيمات شيعية ويجرم كل من يدعو للمذهب الشيعي‮ ‬لدرجة أن تهمة التشيع كانت تساوي تهمة الانخراط في التنظيمات الشيوعية وكان المصريون والمتشيعون معرضين لحملات المباحث والبوليس السياسي وحدث في مرات كثيرة أن اعتقلوا وقدموا للمحاكمة‮ »‬والتهمة المضحكة هي التشيع لآل البيت‮« ‬ووصفي للتهمة بأنها مضحكة يعود إلي أن المصريين في مجموعهم مولعون بحب آل بيت رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ومهما حدثت خلافات الفقهاء فالمبدأ السائد ان في اختلافهم رحمة والمشكلة أن التهمة المتبادلة بين كلتا الفرقتين السنة والشيعة هي تهمة واحدة فكل واحدة منهما تتهم الأخري بالمروق والخروج عن صحيح الدين وهي تهمة لا تصمد للتحليل المنطقي والموضوعي ولكن استمرارها عبر قرون قد أعطاها صفة القداسة بل وتفرعت عن كلتا الفرقتين مذاهب تابعة تتطرف إلي حد الكفر الحقيقي‮.. ‬بدأت المشكلة خلافاً‮ ‬سياسياً‮ ‬حول وراثة الحكم بعد وفاة الرسول‮ »‬صلي الله عليه وسلم‮« ‬ثم تحول بالتدريج إلي انقسام ديني شطر الأمة الإسلامية شطرين وأضعف بالتدريج من قوتها ووحدتها ولم يخل الأمر من محاولات لرأب الصدع ولو بأضعف الإيمان وهو التقريب بين المذاهب وصل إلي مرحلة مبشرة إبان وجود آخر شيوخ الأزهر العظام الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت الذي أخرج فتوي محددة وقاطعة بأن للمسلم السني أن يتعبد ويقيم شعائر الدين وفقا لمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ولا تثريب عليه وكان من المأمول ان تؤدي هذه الخطوة إلي تحديد نقطة انطلاق لإعادة الوحدة بين المذاهب الإسلامية الكبري‮ »‬أقصد بالصغري تلك الجماعات التابعة لكل من المذهبين الرئيسيين‮« ‬لكن الرياح عصفت ولم تصل السفن إلي مراسيها فمع كل أزمة سياسية بين إيران ومصر مثلا يختفي أي حديث عن تقريب المذاهب وتعلو نبرة الحديث عن محاولات الشيعة للتغلغل بين الشعب المصري السني لهذا وبمجرد أن أضاءت الولايات المتحدة الأمريكية الإشارة الخضراء أمراً‮ ‬بالهجوم علي السياسة الإيرانية ومخططاتها للسيطرة والتدخل في شئون دول الجوار علي الفور بدت ملاحم الصراخ واللطم علي الخدود و‮.. »‬اوعي الشيعة‮ .. ‬حاسب الشيعة‮.. ‬الشيعة دخلوا مصر عشان يخربوها‮« ‬والكثير الكثير من هذا الهراء ولم يمض وقت حتي بدأت أجهزة الداخلية ومباحث أمن الدولة تعلن كل يوم عن اكتشاف‮ »‬خلايا شيعية هدامة‮« ‬وكثر الحديث عن شيعة شارع المعز وشيعة الشرقية والدقهلية وتكاد تكون بعرض مصر كلها ولأنهم قد سبق وعرضوا الجماهير لعملية‮ ‬غسل مخ باشتراك‮ »‬المحبظاتية‮« ‬من مشايخ الوهابية التي بدأت تسيطر تدريجيا علي المؤسسة الدينية في مصر فقد ترسخ في أعماق البسطاء من مسلمي مصر أن الشيعة خطر حقيقي علي الإسلام وأنهم مجموعة من الزنادقة المهرطقين والمؤسف حقاً‮ ‬أن تجري في الزفة المعادية لمذهب إسلامي لا يحق لأي من كان أن ينزع عنه‮ »‬إسلاميته‮« ‬أسراب من المتعلمين والمثقفين الذين راحوا بدورهم يدقون ناقوس الخطر والتحريض ولهؤلاء أتوجه بسؤال ماذا يحدث إذا صدقكم الناس وخرجوا ليقتلوا الشيعة في الشوارع علي اعتبار أنهم كفرة وملاحدة‮ »‬تعلمون جميعا ان الاحتقان الذي نتج عن نشاط الجماعات الأصولية المتطرفة هو التربة الصالحة لنمو فطر العنف والدماء«؟‮!‬ والمدهش حقا أن يتمتع أهل المذاهب المسيحية المختلفة والمنقسمة‮ »‬الأرثوذكس‮ - ‬الكاثوليك‮ - ‬البروتستانت‮ - ‬الإنجيليين‮ - ‬المعمدانيين‮- ‬المورمون‮.. ‬إلخ‮« ‬يعيشون في مصر كلما وجدوا في جو من حرية الاعتقاد دون أن يتعرضوا للملاحقة الأمنية ودون أن تنحاز الحكومة لفرقة بعينها؟ اشمعني الشيعة؟‮ ‬ إذا فهي مسألة سياسية بحتة تتخذ من الاختلافات المذهبية‮ »‬كروتاً‮« ‬للعب‮.. ‬وهي ككل أوراق اللعب في المنطقة بأيدي احبائنا الأمريكان أصبحنا للأسف الشديد ضحايا للعبة مزدوجة‮! ‬السياسة الأمريكية تلعب من جهة‮.. ‬والأطماع الإقليمية الخليجية من جهة أخري ولم يعد أمامنا لحفظ التوازن‮ ‬غير الرقص‮.. ‬ولكنه للأسف رقص الذبيحة في نهاية الحفل‮.‬

**شكرا ابو حنفي علي موضوعك ....
**مع انك حيرتنا في امر الشيعه.........

شكراااا نور على مجهودك