هل تحولنا إلي مرددين في جوقة الاستسلام يقودنا المايسترو الأمريكي سواء بشكل مباشر أو عن طريق وكلائه ومخاتيره الحاصلين علي شهادة الأيزو في تعبئة الرأي العام بالزيف والخنوع ؟ هل أصبحنا جميعاً مطبعين وغير مطبعين أفراداً في جوقة واحدة ؟ ألستم معي أن الحكومات قد أدركت بخبرتها في السيطرة علي الوعي الجماهيري أن عليها ليس فقط أن تصنع فعل الاستسلام ولكن أيضاً عليها أن تحدد رد الفعل وتشكل له حدوداً لا تخرج عن الإطار الذي يسمح لها بالاستمرار في الحصول علي ثقة أمريكا باعتبارها-والعياذ بالله- سيدة الكون التي تحيي وتميت.ليس غريباً إذن أن يكثر الكلام في وسائل الإعلام الرسمية بل وفي الهيئات الثقافية عن ضرورة مقاطعة إسرائيل ومقاطعة الداعين للتطبيع طالما يظل هذا الكلام تحت السيطرة التي تجعله فقط مجرد كلام ومجرد صدي طبيعي لحقيقة أن التطبيع يجري علي الأرض بنفس الحماس السابق ولا سيما في الجوانب الاقتصادية مثل اتفاقية الكويز التي تربط الإنتاج المصري في صناعة النسيج بإسرائيل حيث لا تقبل أمريكا البضائع المصرية إلا إذا كان المنتج الإسرائيلي يشكل حوالي 13% من مكونات تلك المنسوجات.ولا مانع أيضاً أن يطرد اتحاد الكتاب كاتباً مطبعاً ( ليعود بعد ذلك بحكم القضاء) أو يصرح وزير الثقافة بأن الوزارة ترفض التطبيع ليتشكل الرأي العام عبر ثنائية( مع التطبيع /ضد التطبيع) التي تحصر المسألة في إطار رد الفعل، إذ تعلم الحكومات أن الخيوط هنا أو هناك لا تفلت من يدها، وما المؤتمرات التي تعقد وتنفض إلا وسائل لاحتواء الغضب الشعبي ويظل الجميع دعاة التطبيع ودعاة رد الفعل متفقين علي أن دعم المقاومة المسلحة رجس من عمل الشيطان أو علي أقل تقدير عبث بالأمن القومي، الذي لا نعرف أين هو ذلك الأمن بعد أن اجتاحت بلادنا جحافل الغزاة علي مرأي ومسمع ومباركة هؤلاء الذين يزعمون أنهم يخشون علينا من لفحة الهواء؟ والمشكلة أن إسرائيل أصبحت تدرك تماماً أن فرقة "حسب الله" العربية تعزف لحنا واحدا في مناسبات مختلفة، فمضت تعربد في المنطقة، بل ترد علي كل مبادرات السلام الرسمية التي تتحدث دون خجل عن العنف من الجانبين- ترد بمزيد من القمع والحصار في فلسطين المحتلة. ما الذي يمكن فعله إذن ـ أعتقد أنه قبل أن نشرع فيما ينبغي عمله حيال أزمة الضمير العربي الحالية ،لابد من إعادة التأكيد علي النقاط الآتية:-
أولاً:- إن المقاومة ليست إرهاباً مضاداً لإرهاب الدولة العبرية. المقاومة هي حق مشروع لكل من احتلت أرضهم حتي يتحقق النصر وتتحرر الأرض.
ثانياً:- إن دعمنا المقاومة في فلسطين والعراق ليس واجباً قومياً فقط تجاه إخوة لنا يعانون الاحتلال بل هو موقف حتمي لحماية أنفسنا لأن مخطط الاحتلال والهيمنة والاستلاب يشملنا جميعاً من المحيط إلي الخليج.
ثالثاً:- إن نضالنا من أجل الديمقراطية وحرية التعبير هو خطوة مهمة لمقاومة تزييف الوعي وتغييب العقل العربي ولترميم الوجدان عبر دعم الثقافة الوطنية في مواجهة موجة العولمة.
رابعاً:- إننا لا نزايد علي الحكومات العربية ولكننا لا نمسك ألسنتنا عن قول الحق وعلي هذه الحكومات أن تدرك أنه ليس من ضمن التزاماتها بخيار السلام أن تكمم أفواه من يقاومون الذل والاستسلام !
خامسا- نحن لسنا مع التطبيع ولسنا رد فعل له - نحن مع المقاومة.. ذلك أفضل.
وأخيرا وليس آخر، تحية إجلال وإكبار للشعب العربي في فلسطين وللشعب العراقي البطل ولشعب الصومال الذي تتجاهل الحكومات والنخب العربية أنه يكافح من أجل استقلاله الوطني، ولايقلل من مشروعية كفاحه تبنيه لأجندة إسلامية وتلك خيبة عربية أخري ونتيجة مباشرة لتراجعنا الثقافي وانهيار أحلام النهضة ولا يجب تحميل تلك الخيبة للشعبين الفلسطيني والصومالي وحدهما