«القلعة».. في حضن صلاح الدين «سجن القلعة» هو سجن «باستيل» مصر، وقد اصبح متحفا للشرطة، ومن المقرر أن يتحول خلال الأشهر المقبلة الى مزار سياحي بعد أن «خرج من الخدمة» إبان عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات وحلت محله سجون اخرى أرحب واحدث.
والمفارقة ان سجن القلعة يقع داخل رحاب قلعة صلاح الدين الأيوبي التي كانت مقر الحكم منذ عهد سلاطين المماليك. ومنذ العهد «الملكي» مرورا بالعهد «الثوري» اختلف الدور السياسي للقلعة، فبعد ان استولى منها «قصر عابدين» على مقر الحكم، لم تعد تستقبل الملوك والسلاطين والرؤساء والسفراء، بل اقتصرت ضيافتها على المعارضين من كل ألوان الطيف السياسي، وتحولت الى رمز من رموز القمع والقهر، وارتبطت بقصص التعذيب والجلادين، كما اصبحت جامعة للنضال والجهاد تخرجت فيها مجموعات من الوطنيين على اختلاف الأدوار والأعمار، دخلها شباب الجامعة مع اساتذة ودخلها ضباط وقضاة وأدباء وصعاليك، المؤكد أن اللصوص وحدهم هم الذين لم ينالوا شرف التخرج من «جامعة القلعة». وكما راحت ايام القلعة «الحكم» راحت ايضا ايام القلعة «السجن» الذي تحول لموضوع معركة جديدة بين وزارة الثقافة وعدد من المثقفين المصريين، بعد اعلان الوزارة نيتها تحويله الى مزار ثقافي في اطار مشروع لتطوير المناطق الأثرية والاهتمام بأعلام الفكر والفن والأدب، وتحويل «الزنازين» التي كانت مخصصة للمساجين الى «منارات» للثقافة عن طريق تطويرها لتصبح قاعات تحمل أسماء مشاهير الفكر والفن والأدب الذين اثروا الحياة الثقافية في مصر خلال القرن العشرين، منهم طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وأم كلثوم وجورج ابيض وبديع خيري ونجيب الريحاني ومحمد عبد الوهاب ومنيرة المهدية وعبد الحليم حافظ وحتى الشيخ امام.
ويعترض عدد من المثقفين «وبعضهم سجن فيه ذات يوم» على هذا المشروع لأنه، في رأيهم، سيمحو معالم أثر تاريخي مهم، في وقت تهتم فيه كل الأمم المتحضرة بإحياء تراثها وتاريخها وثقافتها، وتحرص على تطوير آثارها التاريخية بما لا يخل بعراقتها أو جوهرها.
ولا ينافس سجن «القلعة» في شهرته سوى سجن «الاستئناف» واسمه الرسمي «سجن المحكوم» ويقع في مبنى عتيق خلف مديرية امن القاهرة بميدان «باب الخلق» وسط القاهرة، وهو السجن الوحيد الذي تنفذ فيه احكام الإعدام شنقا.
ولا يكتسب سجن «الاستئناف» شهرته من تنفيذ عقوبة الإعدام فيه فحسب بل لأنه ايضا هو المحطة الاولى لمعظم المسجونين، فهو ليس مستقرا لأحد بل هو معبر الى سجون اخرى ينفذ فيها المسجون العقوبات الطويلة الأجل. وكان «الاستئناف» ايضا لسنوات مضت سجن المعتقلين من طلبة الجامعة الذين يبقون فيه على ذمة تحقيقات النيابة أو استجواب اجهزة الأمن. يبقى «سجن طرة» أو بتعبير أدق «مجمع» السجون الذي يقع على اكثر من خمسمائة فدان في الضاحية الصناعية جنوب القاهرة، ويضم عدة سجون، فهناك «سجن التحقيق»، وهو مخصص للمسجونين على ذمة استكمال التحقيق، ويتطلب الأمر ذهابهم للنيابة وعودتهم للسجن في صحبة الحرس، وهو سجن بلا ملامح، ليست له شخصية محددة، اذ يمكن للمرء ان يرى امامه سيارات فاخرة لذوي متهم يتاجر بالمخدرات أو يزيف العملات، كما ترى فرقة من السيدات الطاعنات، وشابات تمضغن اللبان (العلكة) بطريقة لا تجيدها سوى بنات البلد، وهؤلاء بلا شك أتوا لزيارة لص سيارات أو نشال، وهو الأمر الذي يختلف جذريا عن سجن آخر يقع على بعد نصف كيلومتر منه هو «الليمان»، حيث يقضي المسجونون من اعضاء الجماعات الأصولية أحكاما لا تقل عادة عن خمس سنوات. وهناك ترى مشهدا مغايرا، عشرات السيدات «أو البنات» المنقبات بخمار اسود وجلباب اسود وحتى قفاز اسود، وهناك ايضا رجال وشباب ليسوا بالضرورة ملتحين.