جريده حريتى
-------------
بعد سبع سنوات عاشتها حزناً علي خطيبها الذي وافته المنية بعد أن عقد قرانهما بساعات في حادث مأساوي بشع لم تستطع أن تطرده من ذاكرتها علي مدي الأعوام الماضية اضطرت ماجدة للموافقة علي الزواج من الرجل الذي أحضره لها عمها لتخرج من العزلة التي فرضها عليها القدر لكنها دخلت في رحلة من العذاب لم تستطع التخلص منها بعد.
كانت ماجدة هي البنت الصغري لوالدها بعد ثلاثة من الأولاد وفتاتين ولم يمض علي ولادتها الكثير حتي توفيت الأم متأثرة بمرض مفاجئ ألم بها لتتولي زوجة عمها أمر تربيتها ورعايتها وقد أحسنت السيدة في ذلك ولم تشعرها بأي فارق في المعاملة بينها وبين أبنائها لدرجة أن الصغيرة لم تدرك أن هذه المرأة ليست أمها إلا وهي في الصف الأول الإعدادي عندما اصطحبها والدها وذهب بها لتقديم أوراقها في مدرسة أخري غير التي ألحقت بها وأخذت تتصفح أوراق الملف الذي تركه الأب بين يديها لتقع عينها علي شهادة ميلادها فإذا بخانة الأم وقد دون بها اسم غير اسم السيدة التي تقوم بتربيتها فسارعت لسؤال والدها عن سر الاختلاف لتعرف الحقيقة التي أجابت لها علي العديد من علامات الاستفهام التي كان عقلها الصغير يعجز عن ايجاد اجابات لها ولم يمض علي هذه الواقعة سوي أربعة أعوام حتي لحق والدها بالأم في الوقت الذي كان فيه جميع أشقائها قد تزوجوا لتشعر بالوحدة التي فرضت عليها ورغم الرعاية التي أولاها لها العم وزوجته إلا أنها كانت في حاجة دائمة لرعاية من نوع آخر أدركتها عندما ألحقت بالجامعة.
حصلت ماجدة علي مجموع كبير في الثانوية العامة أهلها للالتحاق بكلية الهندسة وتحقق حلمها في أن تكون مثل والدها وأثناء سنوات الدراسة تعرفت علي شاب عاش في ظروف مشابهة لها فقد توفي والده وهو صغير وتولت أمه رعايته وتربيته حتي صار مهندساً ودون أن يدري كلاهما وجد نفسه غارقاًً في حب الآخر لتتولد بينهما قصة حب رائعة شهدت فصولها مدرجات كلية الهندسة بجامعة القاهرة حتي كان تخرجهما وذهب لطلب يدها من عمها الذي كان في غاية السعادة خاصة بعد أن أدرك أن الفتاة تحب هذا الشاب فوافق علي الفور بل ذلل لهما كافة العقبات لاتمام هذه الزيجة وهو ما كان من والدته التي سارعت لشراء شقة تمليك له لاتمام اجراءات زواجهما حتي يأتي اليوم الذي عاشت عمرها كله من أجل أن تراه.
انتهي الحبيبان من تجهيز عش الزوجية وتحدد موعد الفرح وقبله بأيام تقرر عقد القران في منزل العروس وعقب انصراف الجميع اختلي بها للحظات ودعها بعدها علي أمل اللقاء في المنزل الذي شاركا في تأثيث كل ركن من أركانه لكن فرحتها لم تدم كثيرا.
خرج العريس واستقل سيارته عائداً لمنزله فإذا بسيارة طائشة تصطدم به من الخلف وتتسبب في انحرافه واصطدامه في أحد أعمدة الإنارة ليتوفي متأثراً باصابته بعد أن اصيب بنزيف داخلي وتهتك في الطحال.
عاشت ماجدة في مأساة لا تكاد تصدق ما حدث وذهبت للعيش مع والدة عريسها الذي اغتال الموت فرحتها به وتركها عمها لبعض الوقت تقديرا للوضع الذي عانت منه لكن الأم لم تتحمل فراق ابنها وتوفيت بعد ستة أشهر من وفاته لتعود الفتاة من جديد لمنزلها.
حاول العم جاهداً لاخراجها من الحالة التي عاشت فيها فاصطحبها معه لشركة المقاولات التي يمتلكها بعد أن اقنعها بضرورة الحضور لمباشرة ممتلكاتها خاصة أن والدها كان شريكاً معه فيها.
ورغم المجهود الذي كانت تبذله في العمل إلا أنها لم تستطع أن تنسي حبيبها وذكرياته معها ورفضت كافة الزيجات التي جاءتها بعد هذا الحادث حتي تقدم بها العمر وأدرك جميع المحيطين بها أنها ستعيش راهبة للحب فابتعدوا عنها.
استطاع العم أن يزوج جميع ابنائه حتي أن من تصغر ماجدة بتسع سنوات تزوجت هي الأخري وظلت هي بمفردها في المنزل وهو الوضع الذي انزعج منه كثيرا خاصة أن الأجل حتما سيوافيه في يوم من الأيام هو وزوجته ووقتها لن تجد من يرعاها خاصة أن أشقاءها انشغلوا في تربية ابنائهم ونادراً ما كانوا يسألون عنها وهو الوضع الذي انزعج منه الرجل كثيرا فأراد لها تأمين حياتها وعندما وجد لها فرصة مناسبة أجبرها علي قبولها وكانت هذه هي المرة الأولي التي يفرض عليها ذلك.
تزوجت ماجدة من عصام وقد كان طبيباً سافر للعمل باحدي الدول العربية ومكث هناك عشر سنوات دون أن يتزوج حتي صار عمره ثمانية وثلاثين عاما وعاد لمصر وقد كانت صلة قرابة تربطه بزوجة عمها فحضر لزيارتها وشاهد ماجدة وأعجب بها فبادر لمفاتحة عمها في أمر زواجه منها فوافق علي الفور وأجبرت هي علي ذلك.
اقتنعت ماجدة بالكلمات التي ألقاها عمها علي مسامعها وعاشت مع زوجها بعد أن قررت أن تطوي كافة صفحات الماضي لكنها اصطدمت ببخل زوجها الشديد حتي أن اساسيات الأشياء في المنزل لا يحضرها لها بدعوي التوفير حتي لا يبعثر الأموال التي عاد بها من الخارج خاصة أن العيادة التي افتتحها وصرف عليها الكثير لم تنل شهرة بعد.
اعتقدت ماجدة أن الرجل يمر بضائقة مالية بالفعل ولم تبال بهذا الأمر خاصة أن راتبها في شركة المقاولات كان كبيراً وباتت هي المسئولة عن مصروف المنزل ورغم تحسن أوضاع زوجها إلا أن شيئا لم يتغير بل انه ذهب للعمل في احد المستشفيات الخاصة ورغم ذلك وبات يتقاضي راتباً ضعف راتبها ورغم ذلك لم يشارك في أي شيء.
ومع مرور الوقت اكتشفت أن الأمر ليس إلا بخلاً شديداًً من زوجها الأمر الذي وضعها في إحراج شديد مع أقاربها الذين يحضرون لزيارتها ومجاملتها في أي مناسبة في حين يرفض هو فكرة الذهاب لهم حتي لا يكلف نفسه بأعباء جلب هدايا لهم.
استشاطت الفتاة غضباً بعد أن رزقت بتوأم وقررت البقاء في المنزل لرعايتهما لتفاجئ بزوجها يطالبها بوضع الصغيرين عند زوجة عمها ولتذهب هي لعملها حتي لا تضيع الراتب الذي تتقاضاه وعندما رفضت رفض هو الآخر الانفاق علي المنزل فذهبت كما أراد بصغيرها لمنزل عمها لكنها لم تعد بعد أن قررت رفع دعوي خلع من هذا الرجل فتوجهت لسميرة المصري مديرة مكتب تسوية منازعات الأسرة بعابدين لتبدأ رحلتها للخلاص منه.