تغير المجتمع المصري كثيراً.. وفقد العديد من ملامحه الأصيلة التي عُرف بها وعُرفت به.. ومن أهم هذه الملامح المفقودة الأخلاق العامة والشهامة والأمن.. ولذلك لم يعد غريبا أن تفاجئنا جرائم تحرش الصبية بالبنات أمام المارة دون رادع.. وأن تنتقل هذه الجرائم من وسط البلد إلي المهندسين إلي غيرها من الأحياء.. وأن تقع آخر جرائم التحرش في ثاني أيام عيد الفطر. أي بعد يوم واحد من انقضاء شهر الصوم. شهر التقي والورع والصلاة والقيام.
كأن شياطين الإنس قد أطلقت في الشوارع تعوي كالذئاب. ولا أحد يتصدي لها. وتنهش في أعراض البنات والفتيات. رغم أن المناطق التي شهدت الجريمة تكتظ بالمحلات والمقاهي. وعلي بُعد أمتار قلائل منها تقع نقطة الشرطة. ناهيك عن الدوريات الراكبة والمترجلة.
في لحظة سريعة أحس الناس بالخطر الداهم. وأعطي الشارع قيادته لمجموعة من البلطجية والمتهورين والمراهقين الذين لا يعرفون شيئا عن القانون والقيم والأخلاق.. فحولوا المنطقة الآمنة إلي حي في شيكاغو.. بلد الجرائم والعصابات وانتهاك الحرمات.
قال علماء الدين: إن سبب جرائم التحرش الجماعي هو بُعد الناس عن التعاليم الدينية وضعف علاقتهم بربهم واستهانتهم بالشرع.. وعدم التزام الآباء بتربية أبنائهم وبناتهم علي الصلاح والأخلاق القويمة. وعدم مراقبة سلوكهم خاصة فيما يتعلق بما تبثه وسائل الإعلام من عُري وفجور واجتراء علي هدم القيم.
أضافوا ان المناخ العام الآن يسوده حديث مكشوف عن الجنس.. وكاميرات السينما والتليفزيون تدخل إلي غرف النوم وتنقل أحاديث الأزواج إلي المشاهدين من الفتيان والفتيات والمراهقين. وتجارة البانجو والحشيش تنشط في الشوارع بلا حسيب أو رقيب.. بالإضافة إلي ذلك فإن هناك قطاعات من الفتيات تصر علي ارتداء الملابس الفاضحة والتسكع في الشوارع وعلي المقاهي إلي ساعات متأخرة من الليل. وهذا ما يساعد علي خلق حالة من الهيجان لدي الشباب المنفلت الضائع.. ويدفعه إلي ارتكاب جريمة التحرش.
ويستنكر علماء الدين الصيحات التي تصدر بين آونة وأخري استهزاءً بمباديء المسئولية الدينية العامة في المجتمع مثل "الحسبة" و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
أما علماء الاجتماع فإنهم يرون أن جرائم التحرش الجنسي الجماعي جديدة علي المجتمع المصري المعروف بالتزامه الأخلاقي وقدرته علي ردع من يخرج علي الآداب العامة.. ويقولون إن تكرار جريمة التحرش الجماعي تشير إلي التغير الكبير الذي طرأ علي مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة علي يد نماذج القدوة الجديدة من نجوم الفن ونجوم الكرة ونجوم رجال الأعمال والبيزنس الذين يجمعون بين الثروة الطائلة والنزق الشهواني والقدرة الفائقة علي استخدام العنف دون معقب.
وفي هذا المناخ ارتبط المال بالجنس والعنف بينما المجتمع يعاني من الفقر والبطالة والعنوسة.. ومن هنا حدث الاضطراب واهتزت القيم.. وصار من أسهل الأشياء أن يتحول الشباب إلي متحرشين وتتحول الفتيات إلي متحرشات.. وهؤلاء ينادي بعضهم بعضا في الشوارع والأرصفة.. وحين تبرز بينهم نجمة مثل الراقصة دينا تسقط كل الحوائط ويختلط الحابل بالنابل وتتحول المتعة إلي جريمة.
أشار علماء الاجتماع إلي أن المجتمع المصري فقد خاصية الردع الاجتماعي وأصابته حالة من اللامبالاة. فلم يعد أحد من أبنائه لديه القدرة علي اتخاذ سلوك إيجابي تجاه أية جريمة يراها أمامه.
وهكذا.. مع انتشار السلبية واللامبالاة انتهت الشهامة المصرية المعروفة وأصبح المواطن يري المشاجرة ويبعد عنها. ويري التحرش أمامه ولا يتدخل حتي لا يُسأل أو لا يُُساءل. أو يلحق به أذي.
وفي جريمة التحرش الأخيرة وقف الناس يتفرجون علي الكارثة وهي تبدأ وتتسع. ولم يتنبهوا إلي ضرورة أن يتدخلوا إلا عندما أصبحت المطاردات فردية.. وهربت الفتيات إلي المحلات لتحتمي بها.
لقد مات ابن البلد الشهم. وماتت الجدعنة المصرية. لأننا نقول للناس "وانت مالك" و"خليك في حالك" و"امشي ورا مصلحتك بس".. وما أجمل أن تكون نفعياً وبراجماتياً.
وإضافة إلي هذه السلبية التي نعمقها في النفوس فإن المواد التي تقدمها الأفلام والمسلسلات المصرية الآن تقدم ألوانا مستحدثة من الجرائم يغلب عليها العنف والتعامل بالمسدسات والأسلحة الآلية. والانتقام بالحرائق الجماعية. وهي في ذلك تتشبه بأفلام هوليوود "الأمريكية" ولا تعبر عن الواقع المصري. لكنها علي كل حال أصبحت من كثرة التكرار والإلحاح عنصرا جديداً ومهما في تكوين الشخصية المصرية. جعلها أكثر توترا وأكثر عنفاً وأكثر استهانة بالقيم وبالروح الإنسانية التي حرّمها الله.
لقد تغيرت الشخصية المصرية في عصر العولمة والأمركة.. وصرنا لا نستورد فقط قمح الأمريكيين وسلاحهم وملابسهم وتكنولوجيتهم ونمط حياتهم.. لكننا نستورد أيضا جرائمهم.
فإلي أي مدي سوف يأخذنا التيار؟!
إشارات:
* رغم كل التجارب الصعبة الماضية مازالت حكومتنا تتعامل مع القمح مثلما تتعامل مع اللبان. ولم تدرك بعد أن القمح سلعة استراتيجية تتعلق بالأمن القومي. ولا يصح أبداً أن تتعامل معها بمعيار المكسب والخسارة. بمعيار "أنا مرتبط بالسعر العالمي" حتي لا يتركنا الفلاح ويهرب إلي الكنتلوب مثلما فعل مع القطن.
* قلبي مع الأستاذ الكبير حسين عبدالرازق القيادي التاريخي لحزب التجمع.. فقد اكتشف أخيراً أنه لم يأخذ من حزبه إلا حصاد الهشيم. وأن رئيس الحزب وأمينه العام قد خذلاه. وحرماه من مجموعة الصحف اليومية.
لا تندم يا أستاذ حسين.. واثبت علي مبادئك.. فإن اكتشافك -للأسف- جاء متأخرا جدا جدا.
* ثبت أن شحنة الأسلحة التي ضبطها قراصنة الصومال علي ظهر سفينة كينية كانت موجهة إلي حكومة جنوب السودان بالتواطؤ مع كينيا.. والهدف واضح وهو دعم المتمردين في جنوب السودان حتي يتحقق الانفصال.
إنها مؤامرة خبيثة.. ومتعددة الأطراف.. وتسير إلي نهايتها الطبيعية.. فهل يجرؤ أحد علي الكلام؟
-----------------------------------المساء