الدبلوماسية المصرية نجحت في معاونة القوات البحرية .. أثناء الاستنزاف وحرب أكتوبر
أفراد الضفادع البشرية دمروا الحفار الإسرائيلي .. عن طريق أبيدجان
انتصار أكتوبر لم يكن انتصاراً للعسكرية المصرية ومعها إرادة شعبية جارفة.. بل كان انتصاراً لأجهزة الدولة التي تم إعدادها للحرب فتناغم أداؤها وعزفوا جميعاً سيمفونية الإرادة والتصميم والتحدي من أجل النصر.. لعبت فيه الدبلوماسية المصرية دوراً هاماً وحيوياً منذ بداية أحداث يونيو 67 واستمر دورها الفعال أثناء حرب الاستنزاف وأكتوبر .73 كما لعبت دوراً هاماً مع القوات البحرية المصرية في تلك المرحلة.. وكان المفاوض المصري يتحلي بالحكمة والذكاء والمعرفة والدهاء وأمسك بخيوط اللعبة يحركها كيفما شاء ولقنوا الدبلوماسية الإسرائيلية والمفاوض الإسرائيلي درساً لن ينسوه.
"المساء" حاورت اللواء بحري يسري قنديل أحد أبطال البحرية المصرية عن دور البطولة التي قامت بها ودور الدبلوماسية المصرية مع القوات البحرية في حربي الاستنزاف وأكتوبر 73 فقال: اليوم نحتفل بذكري أعظم انتصار للعسكرية المصرية يضاف إلي بطولاتها في سجل العسكرية المصرية منذ آلاف السنين وعبر التاريخ من العصر الفرعوني للإسلامي. لمحمد علي. لصلاح الدين. لثورة يوليو 1952 فهذا تاريخ طويل من النضال المشرف للمصريين.
في البداية تحدث اللواء يسري قنديل عن الدبلوماسية ودور القوات البحرية في الاستنزاف نتذكر سوياً كيف عادت سيناء بالعمل العسكري والتفاوضي وأخيراً بالتحكيم الدولي مع عدو شديد المراس في القتال وفي التفاوض فالدور الهام الذي أدته الدبلوماسية المصرية في إنجاح أعمال قتال القوات البحرية في المسرح البحري بصفة عامة وفي تحرير شبه جزيرة سيناء بصفة خاصة.. هنا أود إلقاء الضوء عليه وعلي مهام القوات البحرية فنحن لنا وظيفة سياسية حيث تعتبر القوات البحرية إحدي أدوات السياسة الخارجية للدولة ووسيلة من وسائل دعم هذه السياسة.
فحين تبحر السفن الحربية قاصدة منطقة صراع بين طرفين فإن تحركها يشير إلي تأييد تصرفات طرف حليف وفي نفس الوقت التلويح بردع تصرفات الطرف الآخر.
أيضاً لنا وظيفة أمنية وبوليسية حيث تقوم الدولة بفرض سيادتها علي حدودها البحرية وفرض سيطرتها الكاملة بقواتها ووسائلها في الوقت المناسب لمنع أي أعمال من شأنها تهديد مصالح وأمن الدولة مثل منع تلويث المياه ومكافحة التهريب والتقليل من اثار الكوارث البحرية.
ويضيف اللواء يسري قنديل: كما أن القوات البحرية لها وظيفة عسكرية وهي تختص بتنفيذ المهام القتالية بالبحر ومن بينها تدمير قوات العدو البحرية في قواعدها البحرية وبالبحر وحماية خطوط المواصلات البحرية والانزال البحري علي السواحل المعادية.
كما تختص بحماية مصالح مصر ضد أي تهديد من اتجاه البحر. فمصر بدون قوات بحرية تحمي سواحلها وثرواتها البحرية وتجارتها الخارجية بالبحر تصبح عرضة لأطماع الآخرين وغزوها من اتجاه البحر مثلما حدث في الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798 والحملة البريطانية عام 1882 والعدوان الثلاثي عام .1956 لذلك فإن قواتنا البحرية تعتبر خط الدفاع الأول عن مصر من اتجاه البحر.
دعم الأنشطة البحرية
مؤكداً كان هناك دور للدبلوماسية المصرية في دعم الأنشطة البحرية بعد هزيمة يونيو 1967 حيث أسفرت هزيمة يونيو 67 عن تدمير الطيران المصري وحصلت إسرائيل علي السيطرة الجوية. وباحتلالها شبه جزيرة سيناء تكون قد استولت علي ستة أضعاف سواحلها بما فيها الموانئ والمراسي علي الساحل الشمالي لسيناء والضفة الشرقية لخليج السويس والضفة الغربية لخليج العقبة. وربضت القوات الإسرائيلية علي الضفة الشرقية لقناة السويس وتوقفت الملاحة بها نهائياً. وكان لمصر سفن حربية في شمال البحر الأحمر كلفت بفرض الحصار البحري علي مدخل خليج العقبة في شهر يونيو .67
وأصبحت هذه السفن مهددة بالطيران الإسرائيلي بعد الضربة الجوية الإسرائيلية الشاملة. بالاضافة إلي ذلك كانت هناك سفن حربية أخري متمركزة في ميناء الحديدة جنوب البحر الأحمر للمشاركة في حرب اليمن.
أشار إلي أن هذا الأسطول المصري الموجود شمال وجنوب البحر الأحمر والمكون من مدمرات وغواصات وزوارق هجومية سريعة وغيرها من السفن المساعدة أصبح حبيساً في البحر الأحمر يعاني من مشاكل توفير التأمين الإداري من غذاء ووقود وكافة الاحتياجات الحياتية اليومية لأطقم هذا الأسطول. علاوة علي ضعف امكانيات الصيانة والإصلاح اللازم إجراؤها للسفن الحربية في البحر الأحمر والذي لا تتوافر فيه الترسانات البحرية والأحواض اللازمة لإجراء الصيانة للسفن والتي تتوافر في ميناء الإسكندرية.
وكان علي قيادة القوات البحرية التفكير في تذليل هذه المصاعب والعمل علي رفع الكفاءة القتالية لهذه الوحدات حتي يمكن إشراكها في معركة التحرير. وأصبح من المحتم ارتكاز هذه السفن في مواني الدول العربية واستغلال عمق المسرح البحري الذي تطل عليه هذه الدول لإعادة تمركز سفننا الحربية في موانيها.
مؤتمر الخرطوم
كانت البداية في مؤتمر الخرطوم في أغسطس عام 1967 حيث قامت القيادة السياسية المصرية بازالة الخلافات بين مصر وبعض الدول العربية آنذاك وقد أتاح التحرك الدبلوماسي الواعي الاستفادة من التسهيلات البحرية في مواني الدول العربية في البحر المتوسط في "ليبيا" وفي البحر الأحمر في "بورسودان والحديدة وعدن" لإعادة تمركز الأسطول المصري بها وبالتالي إبعادها عن خطر الطيران الإسرائيلي. وهنا ظهر التجانس بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية. بل وقد امتد التحرك الدبلوماسي النشط إلي إجراء عمرات كاملة للمدمرات والغواصات المصرية في ترسانات صيانة وإصلاح السفن في الهند وباكستان. وقد كان للعلاقات الدبلوماسية المتميزة بين مصر وباكستان أن تمت أعمال الصيانة والإصلاح للسفن علي نفقة الحكومة الباكستانية. وبذلك استعادت مدمراتنا وغواصاتنا كفاءتها القتالية التي أهلتها للاشتراك في حرب أكتوبر 73 في التعرض للنقل البحري الإسرائيلي في جنوب ووسط البحر الأحمر.
تمكنت القيادة السياسية ومن خلال التحرك الدبلوماسي من إقناع الاتحاد السوفيتي عقب هزيمة يونيو 67 بالموافقة علي تمركز سفنه الحربية في الموانيء المصرية لإبعاد خطر الطيران الإسرائيلي عن موانينا وبذلك يتهيأ للقوات البحرية المصرية الظروف المناسبة لإعادة بنائها.
قال اللواء يسري قنديل: لقد كان هناك دور للدبلوماسية المصرية في معاونة أعمال قتال القوات البحرية أثناء حرب الاستنزاف فعقب إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات شرق ميناء بورسعيد الساعة السادسة مساء يوم 21 أكتوبر 67 طلبت الحكومة الإسرائيلية من هيئة الرقابة الدولية بقيادة الجنرال اود بول آنذاك بالاتصال بوزارة الخارجية المصرية السماح لسفن الانقاذ الإسرائيلية بالتواجد في موقع غرق المدمرة إيلات لانقاذ الناجين والجرحي والقتلي. وناشدت الحكومة المصرية ألا تتدخل السفن الحربية المصرية في عملية الانقاذ وقد تم الموافقة علي طلب الحكومة الإسرائيلية لدواع إنسانية.
كما برز دور الخارجية المصرية في الحصول علي موافقة الحكومة الأردنية لإنشاء برج للمراقبة بميناء العقبة الأردني يتواجد به ضباط من القوات البحرية المصرية بصفة دائمة لرصد أماكن تمركز السفن الحربية والتجارية الإسرائيلية علي أرصفة ميناء إيلات ومراقبة تحركاتها وتدريباتها وأنشطة تأمين الميناء خاصة ضد الضفادع البشرية أفادت المعلومات التي حصلت عليها القوات البحرية من نقطة المراقبة بميناء العقبة في التخطيط لعمليات الضفادع البشرية المصرية ضد السفن الراسية في ميناء إيلات وانطلقت الضفادع البشرية من ميناء العقبة سباحة إلي ميناء إيلات أكثر من مرة واستطاعت إغراق ثلاث سفن وإعطاب سفينة وتدمير أحد أرصفة الميناء.
وامتد دور الدبلوماسية المصرية لمعاونة أعمال قتال القوات البحرية ليس فقط في مواني سيناء والبحار المتاخمة لها. بل إلي أطراف مسرح الحرب في المحيط الاطلنطي وبالتحديد في ميناء أبيدجان في ساحل العاج لتدمير الحفار الإسرائيلي "كينتنج" بواسطة الضفادع البشرية المصرية.
وقامت السفارة المصرية في أبيدجان بدور وطني محفوف بالمخاطر. واستقبلت أفراد الضفادع البشرية وتم تجهيزهم بسرية تامة لتنفيذ العملية وساعدت في توصيلهم إلي مكان رسو الحفار بالميناء ليلاً حيث قاموا بتثبيت ألغام ذات تأخير زمني يسمح لهم بالانسحاب والعودة إلي مكان إقامتهم بأحد الفنادق والاتجاه إلي مطار أبيدجان والعودة إلي الوطن. وتمت العملية بنجاح وانفجرت الألغام وأصيب الحفار بإصابات بالغة جعلته لا يصلح للعمل وبالتالي لم تحقق إسرائيل الغرض من شرائه من كندا وإبحاره حول رأس الرجاء الصالح إلي خليج السويس لزيادة إنتاج البترول المستخرج من الآبار التي استولت عليها إسرائيل في الخليج عقب هزيمة يونيو .67
الإعداد لحرب أكتوبر
أشار اللواء يسري قنديل: لقد لعبت الدبلوماسية المصرية دوراً في معاونة القوات البحرية في حرب أكتوبر 73 أثناء الإعداد لحرب أكتوبر لعبت الخارجية المصرية من خلال العلاقات الدبلوماسية القوية مع الحكومة الاثيوبية إبان حكم الامبراطور هيلا سيلاسي دوراً كبيراً في الحيلولة دون إعطاء إسرائيل تسهيلات لتمركز سفنها الحربية في جزر فاطمة وحاليب والمواني الاثيوبية جنوب البحر الأحمر "مصوع وعصب". حتي لا تقوم هذه السفن باعتراض مدمراتنا التي كان مخططا لها القيام بحصار باب المندب وحصلت مصر علي موافقة اثيوبيا علي مطلبها.
وساهمت الدبلوماسية المصرية عن طريق سفارتنا في باكستان في إجراءات الخداع الاستراتيجي أثناء الإعداد لحرب أكتوبر حيث تم الاتفاق بين الحكومة الباكستانية والحكومة المصرية علي ترتيبات إجراء عمرة كاملة للغواصات المصرية في الترسانة البحرية في باكستان وتحدد موعد بدء هذه العمرة ليكون في منتصف شهر أكتوبر .73 وتمت التجهيزات اللازمة لاستقبال الغواصات في باكستان. وتعمدت السفارة المصرية تسريب المعلومات عن إصلاح الغواصات لسفراء الدول الغربية بغية إعلام إسرائيل وأيهامها بأن قواتنا البحرية لم تفرغ بعد من استعداداتها الدفاعية. إمعاناً في إخفاء النية عن دور هذه الغواصات التي كان مخططاً لها في ذلك الوقت احتلال موقعها في وسط البحر الأحمر مع موعد بدء الحرب يوم 6 أكتوبر 73 للتعرض للنقل البحري الإسرائيلي.
كما لعبت الدبلوماسية المصرية دوراً رئيسياً في التمهيد للتعاون العسكري بين دول اتحاد الجمهوريات مصر وسوريا وليبيا في سبتمبر 1971 حيث اتفق علي قيام الجمهوريات العربية والذي تأسس بناءً عليه التعاون العسكري متمثلاً في إنشاء القيادة العامة الاتحادية لتقوم بدور المنسق بين الجبهة المصرية والجبهة السورية قبل وأثناء إدارة العمليات في حرب أكتوبر .73
لقد كان دور الدبلوماسية المصرية في معاونة القوات البحرية أثناء حرب أكتوبر 73 مهماً للغاية في بداية حرب أكتوبر أصدرت وزارة الخارجية المصرية في الساعة الثالثة والنصف مساء يوم 6 أكتوبر بياناً إلي سفارات الدول المحايدة تخطرها بتحديد مناطق عمليات بالبحر المتوسط وبالبحر الأحمر يحظر فيها علي السفن التجارية الاقتراب منها وإلا تعرضت للخطر من جراء العمليات البحرية في هذه المناطق. كذلك بالنسبة للخارجية اليمنية والخارجية السورية أعلنتا عن تحديد مناطق عمليات بحرية يحظر علي سفن الدول المحايدة الاقتراب منها وأثناء حرب أكتوبر امتنعت بعض شركات البترول في عدن عن امداد مدمراتنا بالوقود لتنفيذ مهمة حصار باب المندب. واستطاعت الدبلوماسية المصرية مع حكومة اليمن الجنوبية آنذاك والمملكة العربية السعودية في التغلب علي هذه المشكلة وتمت عملية إمداد المدمرات بالوقود علي نفقة الحكومة السعودية طوال فترة الحرب وما بعدها.
أضاف اللواء يسري قنديل: كما قامت الدبلوماسية المصرية في معاونة القوات البحرية بعد انتهاء عمليات أكتوبر 73 كان لنجاح الحصار البحري لمضيق باب المندب بواسطة المدمرات المصرية وإطلاق غواصة مصرية طوربيدتها وسط البحر الأحمر علي ناقلة بترول إسرائيلية ان توقفت الملاحة نهائياً إلي ميناء إيلات الذي توقف عن العمل حتي نهاية الحرب وأصبح موقف احتياطي البترول في إسرائيل حرجاً وفي مباحثات الكيلو متر 101 كان حصار باب المندب ورقة ضغط رابحة في يد المفاوض المصري مقابل سحب إسرائيل قواتها من الثغرة أن ترفع مصر حصارها لباب المندب وتسلم الأسري الإسرائيليين.
هكذا كان للتجانس بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية والتكامل بين الدور الدبلوماسي والقوات البحرية في المراحل المختلفة بدءاً من هزيمة يونيو 1967 وأثناء حرب الاستنزاف والإعداد لحرب أكتوبر 1973 واثناءها وبعد انتهاء الحرب أثره الكبير في نجاح أعمال قتال القوات البحرية في تحرير شبه جزيرة سيناء