الميراث وعقوق الأبناء.. وحوادث الموت المفاجئ في الغالب القاسم المشترك في المآسي التي مرت بنزلاء مستشفي الصحة النفسية بالعباسية وكانت سبباً في وصولهم إليه..
ومأساة "نعمة صديق" أقدم نزيلات المستشفي لا تزال ماثلة في الاذهان.. فقد أمضت 56 سنة في هذا المكان دون أن يزورها أحد.. حتي عند وفاتها لم يظهر من يأتي ليتسلم جثمانها.. وانتهي المطاف بدفنها في مدافن الصدقة!!
** و "خيرية أحمد" الشهيرة بأم الممرضات بمستشفي العباسية خير شاهد علي مآسي هؤلاء النزلاء فهي تعمل بقسم السيدات منذ 37 سنة..
تلك المهنة التي أحبتها ووجدت فيها رسالة نبيلة للعطاء والأخذ بيد هؤلاء الضعفاء.. فهي تراهم علي حد تعبيرها مسلوبي الارادة وعلينا أن نتعامل معهم علي هذا الاساس دون ضجر أو ملل حتي نعينهم علي استعادة استقرارهم النفسي تدريجياً..
تقول ماما خيرية: إن من أكثر الحالات التي رأتها وتتألم لها.. دوناً عن غيرها من مآسي الأمهات اللاتي جاءت بهن بناتهن.. في قضايا "الحجر".. هنا أشعر أن بيوتاً تنهار.. فالبيت في النهاية لا تعمره سوي الأم.. وغيابها يعني "الضياع" لأسرة كاملة يكون الضحية الأبناء الصغار..
ومن يقترب من نزيلات المستشفي باعتبارهن الاضعف حالاً ويسمع قصصهن وأسباب مجيئهن إلي هنا يعتصر قلبه ألماً.. فنجد "ماجدة حسن" 42 سنة عجزت أمها عن علاجها من التشنجات التي تصاب بها مع أقل انفعال أو "زعل"
** سألتها.. عن أول حالة تشنج تتعرض لها؟
** أجابت: بعدما غرق ابني في البحر حيث لم أحتمل صدمة فراقه المفاجئ.
**......................؟
** نفسي أخرج من هنا.. لكن من يأتي.. ويأخذني لأري أمي فابني الثاني سنه صغيرة.. ولا يستطيع ان يتسلمني من إدارة المستشفي إلا بعد بلوغه سن الرشد.
***
* أما "ن. ش" فهي من محافظة المنيا.. تعيش في هذا المكان منذ 6 سنوات و4 شهور هكذا تحسبها باليوم والساعة والسبب هو طمع أخيها في معاشها عن أبيها.. وذات يوم ضربها ليذهب بعقلها..
حدثتني "ن" وهي تكاد تبكي نفسي أن أجد من يأتي لزيارتي في المستشفي ويأخذني لأري أمي فكم اشتقت لها ولأولاد شقيقتي "الراحلة".. نفسي أراهم في العيد!!
***
* وفي حرج بالغ راحت فوزية. ح.. تروي مأساتها فهي تتذكر عندما كانت طفلة في الثامنة من عمرها وخرجت مع اسرتها للتنزه.. وفجأة لم تجد أحداً حولها.. تاهت فوزية.. وظلت تهيم علي وجهها في الشوارع حتي تلقفتها احدي الاسر.. لم تراع الله فيها فكان إيذاؤها لها مريراً دفعها مرة أخري للنوم في العراء.. لتذوق معني الضياع بكل صنوفه حتي أصابها الاعياء والمرض.. وذات يوم تقابلت بأمين شرطة استمع لمآساتها فرأف بحالها ودلها علي مستشفي العباسية عسي أن تجد فيه الأمان.. قبل العلاج والمأوي.
لعنة الله علي الفلوس التي تدفع بصاحبها أن يتخلص من أقرب الناس إليه.. هذا هو ملخص مأساة الفتاة "عزة شحاتة" احدي نزيلات المستشفي.. فمنذ عام جاءت إلي هنا إثر تعرضها لضرب مبرح من عمها علي رأسها حتي أفقدها الوعي.. ودخلت في غيبوبة شهرين وأخذت حالتها تسوء فجاءوا بها إلي العباسية.. ورغم المرارة.. لم تعلق "عزة" علي أحداث حياتها سوي بكلمة واحدة سمعتها من أكثر من نزيلة حين قالت "بس مش كل الناس وحشين".
***
ومن بين النزيلات. اقتربت مني فتاة رقيقة الملامح واستحلفتني بالله ان اذهب لوالدها بمنطقة الوراق واطلب منه أن يأتي لزيارتها وهي لا تتذكر شيئاً عن ظروفها سوي اسم الاب "محمد" وعنوانه بالوراق..
تركت المكان داعية الله أن أصل لوالد هذه النزيلة.. وأقنعه بالحضور اليها واصطحابها معه لتري أمها وأخوتها بعد ان افتقدت رؤيتهم منذ سنوات.
------------------------------------------------
المساء
27/9/2008