بات العمل بدوام جزئي ظاهرة تتكرس في السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً في المجالات الحرّة كالإعلام والترجمة والتسويق والعلاقات العامة أو حتى التدريس. وهذا أمر بديهي في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسوق المفتوح وعصر السرعة. ولكن أن يكون الشخص متسوّلاً بدوام جزئيّ، فهذا جديد رمضان هذا العام!
يشير أحمد عبدالعاطي الذي يعمل حارساً لأحد المباني في حي مدينة نصر (شرق القاهرة) الى أن «أيـــام شـــهر رمضان مباركة، وأكل العيــش لا يعرف العيب. عملي كبواب يؤمّن لي دخلاً محدوداً، ولكن احتياجات الشهر الفضيل تفوق الوصف. لذلك ألجأ إلى أهل الخير مرة واحـــدة في السنة، وهذا يعني أننــي لست متسولاً بالمعنى المعروف». يعيش عبدالعاطي في غرفة صغيـــرة، مع زوجته وأطفاله الخمسة. لا يمدّ عبدالعاطي يده في الشارع ويقول «لله يا محسنين» كما يفعل المتسولون المحترفون، إلا أنه يجلس أمام متجر شهير للحلويات الشرقية، يرتاده ابناء الطبقات الثرية في الساعات التي تسبق الإفطار. يرسم على وجهه ملامح الفقير المسكين. يضع يده على إحدى وجنتيه ويردّد عبارات مثل «يا رب سهّلها» أو «يا رب افرجها»، وهو ما يحدث تماماً إذ يفرجها يومياً بحفنة من الجنيهات التي يتركها زبائن المتجر في جلبابه، تجاوباً وروح الشهر الكريم.
يدافع عبدالعاطي عن منهجه الموسمي في «الاستجداء العاطفي» بقوله «من الطبيعي أن يعطي الغني الفقير، وإذا كان الغني لا يعرف أين يجد الفقراء المحتاجين، فعلى الفقير أن يبذل جهداً للوصول إليه، وذلك عملاً بالمقولة الشهيرة «اسع يا عبد كي اسعى معاك».
هذا النوع من السعي تحول في شوارع القاهرة خلال شهر رمضان في السنوات القليلة الماضية، إلى ظاهرة يراها البعض مزعجة، ويراها البعض الآخر فرصة لإظهار روح التضامن وترجمة حقيقية لعمل الخير، ويراها فريق ثالث - وهو الفريق المنتفع - فرصة ذهبية لا تعوض. هذه الظاهرة التي بلغت مداها هذا العام بدت ذات ملامح واضحة وردود فعل متوقعة.
فعلى رغم أن الغالبية لا تبدي اعتراضاً على ظاهرة انتعاش التسول الرمضانية، إلا أن منى زهران (42 سنة) تقول إنها لا تتوانى عن ترديد عبارات مثل «ابحثي عن عمل بدلاً من مد اليد» أو «الفقير لا يعني أنه منزوع الكرامة»، كلما تعرضت لضغوط رمضانية تسولية. تقول: «لا يمكنني تقبل فكرة تخلي شخص ما، مهما كانت ظروفه المادية صعبة عن كرامته وكبريائه وإقباله على مدّ يده مستجدياً. الفقير الحقيقي الذي يستحق الصدقة لن تَجديه في الشارع لكنه سيكون في مكان آخر يبحث عن عمل».
الطريف ان السعي لإيجاد مكان استراتيجي للتسول في رمضان تطور كثيراً هذا العام، فبدلاً من الاكتفاء بالجلوس على الأرصفة المواجهة للمطاعم الكبرى ومحلات بيع الحلويات والـ «سوبر ماركت» في الأحياء الراقية والشعبية على حد سواء، ظهرت أنماط جديدة من أماكن التسول تكشف عن قدر لا يستهان به من الذكاء والابتكار. فمثلاً يتمركز عدد من المتسولات عند مطلع «كوبري 6 أكتوبر» في ميدان التحرير عند الظهيرة، وهي المنطقة التي تعني تكدس السيارات ووقوفها لدقائق طويلة من دون حراك، ما يعطيهن فرصة رمق سائقي السيارات، لا سيما تلك الفارهة بنظرات تراجيدية عالية التقنية، وإن لزم الأمر الدق على زجاج النوافذ طلباً للمساعدة في شراء وجبة الإفطار أو لبن لطفلة تحملها بين ذراعيها. كما تحظى إشارات مرور بعينها في مناطق معروفة بضيق شوارعها، ما يعني تكدس السيارات فيها، بإقبال وشعبية بين المتسولين. إلا أن موسم التسول الرمضاني لا يمر من دون متاعب ومشاكل، فإضافة إلى الحملات التي تشنها الشرطة، كثيراً ما تنشب خلافات بين المحترفين والهواة. فالفئة الأولى تعتبر الهواة دخلاء ومنافسين لهم على الرزق الرمضاني، في حين ترى الفئة الثانية أن من حقها هي الأخرى الانتفاع.
ولأن عالم التسول ليس استثناء في الصرعات والموضات، ظهرت هذا العام صرعة الورقة المكتوبة التي يعطيها المتسول المتقمص دور شخص أصم وأبكم لرجل أو سيدة ومكتوب عليها انه من إحدى المحافظات البعيدة ويود أن «يقترض» ثمن تذكرة العودة ليلحق بأهله على مائدة الإفطار. صرعة أخرى تظهر في الأماكن الراقية تقتضي توقف فتاة أو شاب يقود سيارة أمام شخص تبدو عليه علامات الطيبة المصحوبة بأمــارات الصوم في الدقائق التي تسبق الإفطـــار، حيث يدعي أن وقود السيارة أوشـــك على النفــــاد وأن أهله ينتظرونه على مائدة الإفطار، لكنه نسي حافظة نقوده. عموماً سواء كان التسول كل الوقت أو بعض الوقت، أو كانت معدّاته ملابس مهلهلة وطفلة مستأجرة، أو حتى سيارة وملابس أنيقة، فالمحصلة النهائية واحدة، وهي انتعاشه كظاهرة في أيام الشهر الكريم.
<h1>محترفون وهواة يستثمرون مواقيت الإفطار ... متسوّلون بدوام جزئي يتنازعون «مواقع استراتيجية» في القاهرة</h1>
<h4>القاهرة - أمينة خيري الحياة - 19/09/08//</h4>
<p>
<p>
<table width="200" cellspacing="0" cellpadding="3" border="0" align="left" class="image">
<tr>
<td><img alt="متسولة تمد يدها داخل سيارة" src="Begger_17.jpg_200_-1.jpg" hspace="0" border="0"></td>
</tr>
<tr>
<td class="caption">متسولة تمد يدها داخل سيارة</td>
</tr>
</table>بات العمل بدوام جزئي ظاهرة تتكرس في السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً في المجالات الحرّة كالإعلام والترجمة والتسويق والعلاقات العامة أو حتى التدريس. وهذا أمر بديهي في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسوق المفتوح وعصر السرعة. ولكن أن يكون الشخص متسوّلاً بدوام جزئيّ، فهذا جديد رمضان هذا العام!<br>يشير أحمد عبدالعاطي الذي يعمل حارساً لأحد المباني في حي مدينة نصر (شرق القاهرة) الى أن «أيـــام شـــهر رمضان مباركة، وأكل العيــش لا يعرف العيب. عملي كبواب يؤمّن لي دخلاً محدوداً، ولكن احتياجات الشهر الفضيل تفوق الوصف. لذلك ألجأ إلى أهل الخير مرة واحـــدة في السنة، وهذا يعني أننــي لست متسولاً بالمعنى المعروف». يعيش عبدالعاطي في غرفة صغيـــرة، مع زوجته وأطفاله الخمسة. لا يمدّ عبدالعاطي يده في الشارع ويقول «لله يا محسنين» كما يفعل المتسولون المحترفون، إلا أنه يجلس أمام متجر شهير للحلويات الشرقية، يرتاده ابناء الطبقات الثرية في الساعات التي تسبق الإفطار. يرسم على وجهه ملامح الفقير المسكين. يضع يده على إحدى وجنتيه ويردّد عبارات مثل «يا رب سهّلها» أو «يا رب افرجها»، وهو ما يحدث تماماً إذ يفرجها يومياً بحفنة من الجنيهات التي يتركها زبائن المتجر في جلبابه، تجاوباً وروح الشهر الكريم.<br>يدافع عبدالعاطي عن منهجه الموسمي في «الاستجداء العاطفي» بقوله «من الطبيعي أن يعطي الغني الفقير، وإذا كان الغني لا يعرف أين يجد الفقراء المحتاجين، فعلى الفقير أن يبذل جهداً للوصول إليه، وذلك عملاً بالمقولة الشهيرة «اسع يا عبد كي اسعى معاك».<br>هذا النوع من السعي تحول في شوارع القاهرة خلال شهر رمضان في السنوات القليلة الماضية، إلى ظاهرة يراها البعض مزعجة، ويراها البعض الآخر فرصة لإظهار روح التضامن وترجمة حقيقية لعمل الخير، ويراها فريق ثالث - وهو الفريق المنتفع - فرصة ذهبية لا تعوض. هذه الظاهرة التي بلغت مداها هذا العام بدت ذات ملامح واضحة وردود فعل متوقعة.<br>فعلى رغم أن الغالبية لا تبدي اعتراضاً على ظاهرة انتعاش التسول الرمضانية، إلا أن منى زهران (42 سنة) تقول إنها لا تتوانى عن ترديد عبارات مثل «ابحثي عن عمل بدلاً من مد اليد» أو «الفقير لا يعني أنه منزوع الكرامة»، كلما تعرضت لضغوط رمضانية تسولية. تقول: «لا يمكنني تقبل فكرة تخلي شخص ما، مهما كانت ظروفه المادية صعبة عن كرامته وكبريائه وإقباله على مدّ يده مستجدياً. الفقير الحقيقي الذي يستحق الصدقة لن تَجديه في الشارع لكنه سيكون في مكان آخر يبحث عن عمل».<br>الطريف ان السعي لإيجاد مكان استراتيجي للتسول في رمضان تطور كثيراً هذا العام، فبدلاً من الاكتفاء بالجلوس على الأرصفة المواجهة للمطاعم الكبرى ومحلات بيع الحلويات والـ «سوبر ماركت» في الأحياء الراقية والشعبية على حد سواء، ظهرت أنماط جديدة من أماكن التسول تكشف عن قدر لا يستهان به من الذكاء والابتكار. فمثلاً يتمركز عدد من المتسولات عند مطلع «كوبري 6 أكتوبر» في ميدان التحرير عند الظهيرة، وهي المنطقة التي تعني تكدس السيارات ووقوفها لدقائق طويلة من دون حراك، ما يعطيهن فرصة رمق سائقي السيارات، لا سيما تلك الفارهة بنظرات تراجيدية عالية التقنية، وإن لزم الأمر الدق على زجاج النوافذ طلباً للمساعدة في شراء وجبة الإفطار أو لبن لطفلة تحملها بين ذراعيها. كما تحظى إشارات مرور بعينها في مناطق معروفة بضيق شوارعها، ما يعني تكدس السيارات فيها، بإقبال وشعبية بين المتسولين. إلا أن موسم التسول الرمضاني لا يمر من دون متاعب ومشاكل، فإضافة إلى الحملات التي تشنها الشرطة، كثيراً ما تنشب خلافات بين المحترفين والهواة. فالفئة الأولى تعتبر الهواة دخلاء ومنافسين لهم على الرزق الرمضاني، في حين ترى الفئة الثانية أن من حقها هي الأخرى الانتفاع.<br>ولأن عالم التسول ليس استثناء في الصرعات والموضات، ظهرت هذا العام صرعة الورقة المكتوبة التي يعطيها المتسول المتقمص دور شخص أصم وأبكم لرجل أو سيدة ومكتوب عليها انه من إحدى المحافظات البعيدة ويود أن «يقترض» ثمن تذكرة العودة ليلحق بأهله على مائدة الإفطار. صرعة أخرى تظهر في الأماكن الراقية تقتضي توقف فتاة أو شاب يقود سيارة أمام شخص تبدو عليه علامات الطيبة المصحوبة بأمــارات الصوم في الدقائق التي تسبق الإفطـــار، حيث يدعي أن وقود السيارة أوشـــك على النفــــاد وأن أهله ينتظرونه على مائدة الإفطار، لكنه نسي حافظة نقوده. عموماً سواء كان التسول كل الوقت أو بعض الوقت، أو كانت معدّاته ملابس مهلهلة وطفلة مستأجرة، أو حتى سيارة وملابس أنيقة، فالمحصلة النهائية واحدة، وهي انتعاشه كظاهرة في أيام الشهر
-----------------------------------
جريده الحياه 23/9/2008
--------------
شاركنا بفكرك
هل هذا مقبول اجتماعيا ودينيا
وماهى الطرق لعلاق تلك السلبيات الموجودة داخل المجتمع خارج نطاق الحكومه
----------------------------------------------------------