كل نار تصبح رماد مهما "تقيد" إلا نار الحقد.. تزيد وتتأجج كلما مرت الأيام.. لا يطفئها سوي الانتقام مهما كانت النتائج.. هكذا قالت السيدة التي انتقمت لكرامتها بعد سنوات طويلة.. فقبل عشرين عاماً بالتمام والكمال طلقها زوجها قبل أن تنقضي أيام العسل. وطردها من منزل الزوجية بملابس الفرح وتركها وحدها تصارع كلام الناس وتدافع عن شرفها أمام طوفان من التساؤلات وكأنها تحرث في الماء.. فلا أحد يصدق أن طلاقها بعد سنوات الحب والعشق مع حبيب القلب الذي اختارته بكامل إرادتها لم يكن إلا نتيجة بعض الخلافات العادية والتي طالما تحدث بين الأزواج..
حاولت أن تصَّبر نفسها بأن الزوج القاسي والحبيب الضال لابد أن يعود يوماً إلي رشده ويستعيد محبوبته وزوجته وينتهي ذلك الكابوس المخيف.. إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث بل علي العكس تماماً.. صفعها صفعة جديدة أطاحت بكل آمالها.. تزوج بأخري ليقطع كل طريق أمام الزوجة المسكينة ويؤكد كل الأقاويل التي يتهامس بها المحيطون.
مرت الأيام بكل مرارتها وقسوتها ولا يشغل تلك المرأة سوي الانتقام لكرامتها.. حاولت ذلك مراراً ولكنها لم تفلح إلي أن حانت اللحظة الحاسمة وعقدت العزم وقررت أن تضع حداً لتلك النيران المتأججة في صدرها والتي يزداد سعيرها مع مرور الأيام.
خطة الانتقام
خدمها القدر عندما تعرفت علي أحد الأشقياء.. فأوهمته بارتياحها إليه وحاجتها له وتطور الأمر إلي علاقة عاطفية.. ورغم أن هذا الشقي لا يملك من حطام الدنيا شيئاً سوي ما ينفقه علي "الكيف".. وهذه السيدة الثرية تعتبر بمثابة الحلم يصعب الوصول إليه إلا أنها مدت له جسوراً كبيرة من الحب والعاطفة بمزيد من القرب وحنان الأنثي لتفك عقدة لسانه وتزيل كل الأسوار التي تقف عائقاً أمامه من أجل الوصول إليها ونجحت في أن تنتزع منه طلبها للزواج.. وعندما نطق بذلك الطلب تنهدت بعمق وتحلت بدلال الأنثي وحيائها الذي يكون مصطنعاً غالباً وأخبرته في خجل أنها لا تنكر أنها تحبه وتتمني الزواج منه لأنها تشعر أنه الرجل الذي تبحث عنه.. ذلك الرجل الذي يستطيع أن يحميها ويرعي مصالحها ويواجه الدنيا من أجلها ورد عليها فرحاً بما تقول منتشياً برجولته التي تمتدحها محبوبته قائلا "إذن مافيش مشكلة".. وقفت المرأة بهدوء وثبات وتحركت خطوات أمام العاشق تستعرض جسدها حتي يزداد تمساكاً بها وقالت له إن هناك مشكلة تؤرقها منذ سنوات. حولت حياتها إلي جحيم دائم وحرمتها من سعادتها التي كانت تبحث عنها بعد أن طردها زوجها وطلقها قبل أن تغسل "ماكياج العروس" وخرجت بفستان فرحها ليلاً تنهمر دموعها لا تدري ماذا تفعل.. نظرات الأهل والأقارب كأنها سياط تلهب بدنها الغض.. وتساؤلات الناس تزيد من ألمها حتي مات أبوها منكسراً بعد أن بح صوته دفاعاً عن شرفها وأصبحت وحيدة في تلك الحياة لا يشغل بالها إلا الانتقام من ذلك الزوج الذي حطم نفسها وحياتها وحولها إلي راهبة بين تلك الجدران رغم أنها تملك كل شئ وأعطاها الله من المال الكثير لكنها لم تستطع أن تنعم بأي شئ.. كانت كلمات المرأة ودموعها تعتصر قلب الحبيب الذي لم يجد ما يقوله وقبل أن تنهي كلماتها أخبرته بأنها لم تتزوج طوال تلك السنوات لأنها كانت تبحث عن رجل قوي ينتقم لشرفها وكرامتها ثم التفتت إليه وسألته هل تستطيع أن تكون هذا الرجل؟؟ وقبل أن ينطق قالت له إن استطعت ذلك فسوف أكون ملكاً لك وأموالي كلها سوف أضعها تحت قدميك. سأجعلك باشا بحق.
لعبت كلمات المرأة بعقل الشقي الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئاً وتاقت نفسه إلي رغد العيش بعد طول حرمان فقرر أن يستجيب لمطالبها ولكن مازالت في نفسه بعض المخاوف من افتضاح أمره. وحينما رأت مخاوفه قد ارتسمت علي وجهه أقنعته بأن الرجل المقصود لديه أعداء كثيرون بطبيعة عمله كتاجر ورجل أعمال بالإضافة إلي أن الشكوك سوف تحيط بمن تربطهم به علاقات عمل ومصالح وصراعات وأن الشقي بعيد عن هذا كله.. واقتنع الشقي بما تقول وبدا مستريحاً للفكرة بل أصبح يتعجل في التنفيذ حتي تتحول حياته كما وعدته.. وقبل أن يتفقا علي التنفيذ أعطته مبلغاً كبيراً من المال كحافز له.. ثم أخبرته بالرجل المقصود وعنوانه وتفاصيل حياته التي لم تنقطع عنها طوال تلك السنوات انتظاراً لذلك اليوم.. يوم الانتقام.
اتفاق
اتفق العاشقان علي خطة الانتقام.. وتحرك الشقي للتنفيذ متسلحاً بكل ما تملك المرأة من معلومات إضافة إلي المال الكثير الذي يكتظ به جيبه.. وذهب إلي منزل الهدف خائفاً يترقب وطرق الباب فخرج له الرجل الذي يقيم وحده بعد أن زوج أبناءه وماتت زوجته وحينما سأله عما يريد أخبره بأنه يبحث عن عمل أي عمل ليربي أبناءه وقال إن أهل الخير أخبروه بأن الرجل لا يرد سائلا.. وشعر الرجل بالحرج ولكنه قرر أن يعطيه بعض المال فطلب منه أن ينتظر للحظات وترك الباب مفتوحاً.. وتلفت الشقي حوله فلم يجد أحداً فدخل وأغلق الباب وقفز فوق الرجل من الخلف وطعنه عدة طعنات بمطواة كانت معه حتي سقط رجل الأعمال غارقاً في بركة من الدماء وحينما تأكد من موته خرج وأغلق الباب وكأن شيئاً لم يحدث.
لغز الجريمة
بعد يومين من الجريمة.. توجه الشاب إلي شقة أبيه رجل الأعمال بعد أن فشل في الوصول إليه عبر الهاتف تراوده المخاوف وعندما طرق باب الشقة لم يفتح أحد فزادت مخاوفه.. أخرج مفتاحه الذي يحتفظ به منذ سنوات وقام بفتح الباب في لهفة شديدة.. وكانت المفاجأة التي أطاحت برأسه عندما وجد والده ملقي في الصالة وسط بركة من الدماء ورائحة الموت تفوح وتملأ المكان من هول المفاجأة صرخ الشاب واستغاث بالجيران الذين أبلغوا الشرطة وبعد المعاينة والتحقيق المبدئي انتقل علي الفور إلي موقع الحادث قيادات البحث الجنائي وتبين أن القتيل مصاب بعدة طعنات نافذة في الصدر والقلب.. واكتشف رجال البحث أن جميع محتويات الشقة سليمة.. وأكدت التحريات أن الجريمة لم تكن بقصد السرقة بعد أن عثروا علي خزينة القتيل سليمة وجميع أمواله موجودة إضافة إلي متعلقات القتيل الشخصية وهي غالية الثمن.
ووقع رجال البحث في حيرة أمام غموض الحادث خاصة أنهم فوجئوا بأن القتيل ليست له عداوات وذلك بعد أن قاموا بالتحقيق مع الجيران والمحيطين والعمال بالشركة التي يمتلكها القتيل وأكد الجميع أن المرحوم حسن السير والسلوك وليست له أية مشاكل مع كل المتعاملين معه مما أدي لصعوبة الوصول إلي الجاني.
مفاجأة
حدثت المفاجأة حينما توصل رجل المباحث لأحد الشهود الذي أعاد الأمل لرجال المباحث حينما أخبرهم بأنه ليلة الحادث شاهد شخصاً مريباً يصعد إلي شقة القتيل وتنتابه حالة من الترقب والخوف.. وأدلي بأوصافه كاملة وشعر رجال المباحث أنهم قد وجدوا ضالتهم عند هذا الشاهد وعرضوا عليه مجموعة من صور المسجلين خطر فتعرف علي أحدهم فقاموا بإلقاء القبض عليه وتعرف عليه الشاهد وبمواجهته بالجريمة أنكر وأصر أنه جاء إلي العقار خطأ وأنه كان يبحث عن عنوان أحد أصدقائه وبتضييق الخناق عليه اعترف بارتكاب الجريمة بتحريض من معشوقته مطلقة القتيل.. وأدلي باعترافات تفصيلية.
اعتراف
قال إنه يرتبط بعلاقة غرامية مع تلك السيدة بعد أن تعرف عليها صدفة وأن العلاقة تطورت فطلب منها الزواج فاشترطت عليه أن يكون مهرها قتل مطلقها وأغرته بالمال وبتغيير حياته رأساً علي عقب فاندفع وراءها كالأعمي حتي فعل فعلته وبعدها لم يعثر لها علي أثر وتركت شقتها ولم يعرف عنها شيئاً منذ يوم الحادث.. تم إعداد عدة أكمنة للمتهمة الثانية بعد جمع التحريات عنها وعن علاقاتها حتي تمكن رجال المباحث من إلقاء القبض عليها متخفية في شقة مفروشة بأحد الأحياء الراقية.. أحيل المتهمان للنيابة فقررت حبسهما علي ذمة التحقيق واحالتهما محبوسين إلي محكمة الجنايات التي قضت بعد تداول القضية في عدة جلسات بالسجن المؤبد علي المتهم الأول القاتل و15 سنة سجناً مع الشغل للمتهمة الثانية لتسدل الستار علي واحدة من قضايا الانتقام الغريب للمرأة
-------------------------
دموع الندم
23/9/2008