حتى الموت.. أصبح مجالا للبيزنس، ويقتصر العمل به على بعض الأشخاص الذين يتصارعون على جيوب الأثرياء المتفاخرون بالمغالاة في الإنفاق على مراسم العزاء، وأصحاب هذا البيزنس هم الحانوتية والتُرابية والمقرئون وغيرهم، الذين يحققون من وراء الموت ثروات طائلة بعيدا عن الرقابة.
تبدأ حلقة هذا البيزنس بالحانوتي، الذي يقوم بتجهيز المتوفى، ورغم قدم هذة المهنة إلا أنها بدأت تختفي بعد إلغاء ''نقابة الحانوتية'' وقيام العاملين بالمساجد والجمعيات الشرعية بدورهم.
التكفين والتغسيل
يقول ''إبراهيم عطا'' –حانوتي منطقة الوراق- '' أن تعامله مع أهل المتوفى يبدأ عقب صدور شهادة الوفاة، وتختلف التكلفة المادية حسب نوع الخدمة؛ فبعض الأهالي يوفرون مستلزمات التكفين وأخرون لديهم دراية كافية بعملية التغسيل، وفي هذة الحالة يقتصر دورنا على إمدادهم ببعض الأدوات مثل القطن وغيره، علاوة على سيارة تكريم الموتى وتصل تكلفة ذلك حوالي 500 جنيه ويصل سعر الكفن الشرعي للرجال إلى 100 جنيه و150جنيه للسيدات، ويتقاضى الحانوتي 250 جنيه مقابل تغسيل الجثة''.
الخدمة تختلف من منطقة إلى أخرى؛ هذا ما يؤكده حانوتي حي المهندسين ''خالد مصطفى'' ويوضح: لأن حي المهندسين من الأحياء الراقية فان اغلب المقيمين به ليسوا على دراية بعملية التغسيل، فنتولى نحن الموضوع بالكامل؛ بداية من توفير ''الكفن'' والذي يبدأ سعره من 500 جنيه وحتى 3000 جنيه في حالة طلبه من الحرير الملون، كما يفضل اغلب أهالي الحي خشبة الغسيل المضاف إليها خرطوم، لمنع تسرب المياه وتكلفة عملية التغسيل تصل إلى 700 جنيه، بالإضافة إلى 300 حنيه لزوم سيارة نقل الجثمان.
تُربي بدرجة مقاول
أيضا.. يُعد ''التُربي'' أحد من يتم الاستعانة به في إتمام عملية الدفن، وغالبا ما يكون موظفا بإدارة الجبانات الموجودة في كل محافظة، ويحصل على راتب شهري منها، علاوة على البيزنس الخاص الذي يقوم به.
يقول ''أحمد مرزوق'' -تربي بمدافن طريق السويس-: ''يقع تحت حيازتي 500 مدفن من إجمالي 12 ألف مدفن موجود بالمنطقة، وتصل مساحة المدفن الواحد إلى 40 متر، ويبدأ عملي عقب اتصال أهل المتوفى وإخطاري بموعد وصول الجثمان، فأقوم بفتح المدفن وتهويته وتنظيف ''الحوش'' وأتقاضى مقابل ذلك مبالغ تتراوح من 400 وحتى 1000 جنية حسب الحالة الاقتصادية لأهل المتوفى، وهناك طلبات إضافية لأهل المتوفى يطلبوها مني قبل حضورهم للدفن، مثل الاستعانة بأحد مقرئين المدافن بمقابل يصل إلى 350 جنيه أو إقامة سرادق صغير أمام المدفن تصل تكلفته حوالي 900 جنيه''.
وأضاف: خلاف ذلك كله فأنا احصل على راتب شهري من أصحاب المدافن يصل إلى 10 جنيهات على كل مدفن (بقيمة 5000 آلاف جنيه شهريا مقابل حراسة ما تحت حيازتي من مقابر وري أشجارها).
ولا يكتفي أغلبية التُرابية بهذا الدخل واقتحم كثير منهم مجال مقاولات بناء المقابر، وافتتحوا مكاتب لهم داخل (الأحواش)، وتختلف تكلفة البناء حسب مساحة المدفن ونوع التشطيب وهذا ما يؤكده ''عيد عبدالمجيد'' -تربي بمقابر مدينة 15 مايو- قائلا أن المدفن الذي تصل مساحته إلى 20 مترا تصل تكلفة إنشائه إلى حوالي 5 آلاف جنيه، أما التشطيب فهو ما يرفع سعر تكلفة بناء المدفن، فنحن نستخدم الطوب الوردي والرخام، لتصل التكلفة النهاية لبناء المدفن متوسط المساحة (30 مترا) حوالي 40 ألف جنيه، وهي أسعار ليست مرتفعة مقارنه بمدافن بعض المناطق مثل مدينة نصر أو 6 أكتوبر، لأن أغلب سكان ''مايو'' هم من الطبقة المتوسطة.
السوق السوداء للمقابر
''عربي محمد'' -تربي بمدافن 6 أكتوبر- قال: ''هذة المدافن مخصصة لأهالي المدينة مقابل سداد 6500 جنية لجهاز المدينة عقب الحصول على رخصة المدفن، ولا يُصرح لغير أبناء المدينة الحصول على هذة الرخصة؛ لذلك انتشر ما يسمى بالسوق السوداء لبيع وشراء المدافن بواسطة تُرابية ومقاولون''.
وأشار إلى أن التربي يحصل على راتب شهري من صاحب كل مدفن يصل إلى 150 جنيه، وأن هناك بعض المدافن تصل مساحتها لأكثر من 120 مترا، ويطلب منا أصحابها زراعة أشجار نادرة بها، قد تصل تكلفة شرائها أكثر من 15 ألف جنيه.
وحول أسعار المدافن بالمنطقة وتشطيبها يقول ''حسين عسل'' – مقاول بمدافن 6 أكتوبر- انه مع بداية إنشاء هذة المدافن اشترى مدفنا من أصحابه وقام بتحويله إلى مكتب للمقاولات والتشطيبات وشراء وبيع المدافن، وبالنسبة للأسعار، فسعر الأرض الفضاء للمدفن الذي تصل مساحته 40 مترا يتراوح بين 30 و50 ألف جنيه أما المدفن (مساحة 60 مترا) فتبدأ أسعارها من 60 ألف جنيه وتصل إلى 150 ألف جنيه، حسب موقع أرض المدفن.
تشطيب المدفن ب 250 ألف جنية
وبالنسبة للتشطيب، فله ثلاثة درجات؛ إما باستخدام الطوب الوردي أو النصف حجري أو الحجري وهو الأعلى سعرا حيث يصل سعر التشطيب عند استخدام الطوب الحجري للمدفن (مساحة 30 مترا) إلى 80 ألف جنيه بخلاف تكلفة إنشاء العيون والأرضية تكون من البلاط والسلالم من الرخام علاوة على البوابات الحديدية، لتتجاوز إجمالي تكلفة إنشاء وتشطيب أقل مدفن بالمنطقة 250 ألف جنيه.
ويضيف: ''هناك مدافن ذات طبيعة خاصة، وأسعارها خيالية، والتي غالبا ما تكون على الطريق الرئيسي بجوار مدافن المشاهير كالفنان نور الشريف وحسن يوسف والكاتب الصحفي إبراهيم نافع وإبراهيم سعدة، فسعر قطعة الأرض التي لا تتعدى مساحتها 60 مترا بجوار هذة المدافن يتعدى سعرها 200 ألف جنيه''.
ويُعد المعلم ''عادل نعمان'' الشهير بحوت الجبانات أشهر تُرابية مدافن مدينة نصر، ويوضح أن سعر المدفن بالمنطقة الذي يصل مساحته إلى 20 متر يتعدى ال 80 ألف جنيه.
تُرابية الترميم في المدافن القديمة
وبالنسبة لترابية المدافن القديمة فقد اتجهوا للعمل في مجال ترميم المدافن الموجودة بمنطقة الإمام الشافعي وباب النصر وباب الوزير والسيدة عائشة والمجاورين ومنشأة ناصر.
هذا ما أوضحه لنا ''أيمن شعيب'' -تربي بمدافن الإمام الشافعي- مشيرا إلى أن مساحة المدافن بالمنطقة تتراوح ما بين 500 إلى 1000 متر ويرجع تاريخ معظمها إلى عصر ''الباشاوات'' واغلب الترابية توارثوا المهنة منذ عشرات السنين، ورغم وجود رابطة للترابية تخدم 400 تربي بالإمام الشافعي إلا أن بعض العائلات تسيطر على النصيب الأكبر من حيازة الجبانات واشهرها عائلات (عبدالعال وعدلي وصالح) وتنحصر الأعمال في المدافن الموجودة على عمليات الترميم فقط والذي يقوم به التربي، وتتجاوز تكلفة ترميم المدفن الواحد مابين 50 و70 ألف جنية حسب مساحة المدفن، أما عمليات بيع وشراء المدافن بواسطة الترابية فهي قليلة لأن اغلبها أثرية أو لوفاة أصحابها وتبعيتها للأوقاف، هذا بالإضافة لارتفاع أسعارها، فسعر المدفن قد يتعدى النصف مليون جنيه.
مراسم عزاء ''فايف ستار''
ننتقل إلى المحطة الأخيرة في بيزنس الموت وهي مراسم العزاء التي تختلف حسب الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأهل المتوفي، وغالبا ما تتسم سرادقات عزاء أبناء الطبقة الثرية التقاليع، وأخرها الاستعانة بفنادق الخمس نجوم لتجهيز السرادقات مقابل مبلغ يتراوح بين 40 و60 ألف جنية حيث يوفر الفندق عدد من (الجرسونات) من الشباب للعمل بمكان جلوس الرجال، والفتيات في الأماكن المخصصة لجلوس السيدات اللاتي يحضرن للعزاء، وقد يتحمل الفندق توفير المشروبات لزوم العزاء مثل القهوة والأكواب وغيرها من الأدوات اللازمة لتقديم الخدمة بالسرادق.
دور المناسبات والمقرئين
وقد يفضل بعض أبناء هذة الطبقة تلقى العزاء بدور المناسبات، وفي هذة الحالة تختلف التكلفة حسب اسم الدار، حيث تصل تكلفة العزاء إلى 3 آلاف جنية في دار مناسبات الشرطة وفي عمر مكرم تصل إلى 5 آلاف حسب مساحة القاعة، وتقل التكلفة في مسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين إلى 1500 جنيه، هذا بخلاف أجر المقرئ، حيث تتسابق العائلات الثرية للتعاقد مع أشهر الُمقرئين الذين يأتي على رأسهم القارئ والمنشد ''يحيى الجمل'' والذي يتقاضى 15 ألف جنيه ويتسلم أحد أقاربه المبلغ كاملا قبل دخول الشيخ السرادق، ويصل أجر الشيخ ''فرج الله الشاذلي'' إلى 9 آلاف جنية بينما الشيخ ''أبو العنين شعيشع'' فأنه لا يقبل الدعوة إلا من كبار العائلات بأجر خيالي قد يصل إلى 70 ألف جنيه.
الشرع يحرم البذخ في مراسم الوفاة
وحول رأي الدين حول البذخ في تكاليف الموت، يؤكد الدكتور ''محمد رأفت عثمان'' -عضو مجمع البحوث الإسلامية- على أن الشرع يحرم الإسراف والتفاخر والمباهاة في مراسم الوفاة، خاصة أن هذة الأمور لا تعود بالنفع على المتوفي، ومن الأولى أن تنفق هذة المبالغ في مساعدة المحتاجين.