خالد البرماوي
StoreDocumentLink();
يعرف أغلب صناع الإعلام أن المحتوى الترفيهي وخاصة الكوميدي منه هو الأصعب والأكثر تكلفة بين محتوى الإعلام المقروء والمرئي والالكتروني، ورغم الطبيعة الجادة والمحافظة التي يتصف بها برنامج "التوك شو" الشهير مصر النهاردة (البيت بيتك سابقاً) إلا أنهم استطاعوا بصورة عفوية أن يجعلوا حلقة "مزايا وعيوب الفيس بوك" واحدة من أفضل وأكثر حلقات الـ"توك شوز" الكوميدية في مصر على الأقل بالنسبة للشباب.
الفكرة جاءت - كما أتصور- من خيال فريق العمل، متبرعين بها بالطبع، فانا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، الحلقة جاءت على خلفية حملة التضييق التي تقوم بها الحكومة حالياً، من غلق برامج وقنوات لتكتيف وتشويهه صورة أقلام صحفية شريفة، حتى الرسائل القصيرة الإخبارية فرضوا قيوداً عليها.. وتجاوباً مع هذه الحملة الشرسة.. أنبرى أحد أفراد فريق عمل "مصر النهاردة" ليكون ملكياً أكثر من الملك ولفت نظر المسئولين أن هناك رأس الفساد وبيت الداء المدعو "فيس بوك".
رغم أن اغلب شباب الانترنت المعني بهذه الحلقة التعليمية الإرشادية، لم يشاهدوها على الهواء مباشرةً، ولكن موقع تبادل الفيديو "يوتيوب" قام بهذه المهمة بمساعدة صاحب الشأن "فيس بوك"، فانتشرت حلقة "مصر النهاردة.. ومزايا وعيوب الفيس بوك" في كل مكان، "جروبات" تهاجم.. وتعليقات طريفة من الشباب حول شائعة انتشرت أن الحكومة تفكر في أن تحجب "فيس بوك".
كنت عازماً على أن أشارككم متعة قراءة تعليقات المستخدمين على هذا الموضوع، فانا أحد مدمني قراء التعليقات الساخنة التي يكتبها الشباب في أي مكان على الانترنت، ولكن بعد أن شاهدت عدة دقائق من حلقة "مصر النهاردة"، وجدت أنها أكثر خفة وظرف ولطف من تعليقات الشباب مما يجعلها وبصدق تستحق أن أتطفل بها عليكم، لكي نقهقه سوياً على بعض ما جاء فيها.
بداية الحلقة.. المذيعة المتألقة منى الشرقاوي بمقدمة حماسية للغاية حول أهمية الإنترنت، وإزاي من غيره مكناش عايشين، ثم بعدها دخلت علي موضوع "فيس بوك"، وصورته انه موقع "بيلم الناس في مجموعات تقول اللي في قلبها بصراحة وتلقائية شديدة جداً وحميمية" حسب قولها، وأكملت "ده خلاهم يحطوا صورهم وصور أقاربهم، من غير ما يعرفوا ده مين ومن أي دولة !!
ودخلت المذيعة المتألقة في العمق وبدأت في ذكر حقائق وأرقام عن هذا المخلوق الغريب "فيس بوك، فقالت أن الناس بيتعاملوا معاه بسلامة نية، لكن هما ما يعرفوش انه (طبعاً) تبع شركة "جوجل العالمية.. وهو حجرة من ضمن حجيرات هذه الشركة الكبيرة.. اللي تعتبر دولة داخل أمريكا.. علشان هي شركة قوية طبعا!!
ثم تحدثت عن الصور التي ينشرها المستخدمين على الموقع (طبعاً لم تسمع عن إعدادات الخصوصية) فقالت:"لو نزل صورة وحب يشلها بتختفي قدامه.. لكن مش عارف أنها بتفضل عندهم فوق". وأكملت موضحة:"عندهم فوق يعني اقصد في الإدارة العامة بتاعت الفيس بوك".. أيه رأيكم بقي ؟ أنا عاهدت نفسي ألا اعلق لكي لا افسد عليكم متعة الكوميديا التي تنساب من غزارة من هذا الحلقة، فقط أريد أن تركزوا في قصة انه "تبع جوجل"، وحكاية "الإدارة العامة".. وبس.
طبعا ما فات كان مجردة مقدمة - أتمنى أن تشاهدوها على الانترنت- بعدها تركت الفرصة لضيوفها لكي يتحدثوا عن مزايا وعيوب هذا الـ"فيس بوك"، فبدأت الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع جامعة بورسعيد حديثها قائله:" تسويق الفيس بوك جيد جدا.. وعندهم أساليب تجذب وتشد"، ثم حكت تجربتها :" مثلاً أنا في أوائل ما نزل فيس بوك مصر دخلت من باب العلم بالشيء.. ومكررتهاش".
وتبرر ذلك قائله:" كل ما افتح الأيميل اللاقي انفتيشن (دعوة باللغة الانجليزية).. خشي على الفيس بوك في ناس عايزينك وده مش حقيقي.. هما عايزني اخش علشان الإعلانات والتسويق للسلع".
هذه التصريحات التي جاءت من خبيرة فتحت نفس المذيعة لكي تعلق وتدلو هي الأخرى بدلوها فقالت:" وطبعاً أي شخص مننا بيفرح انه يلاقي شخص بيقوله على فيس بوك تعالي زورني.. فبيحس بأهميته.. وبالتالي بيدخل وبيفشى بإسراره !! (هتودينا في داهية ).
وتتضامن معها الدكتورة الجامعية المتعلمة وتقول:" ده سلاح ذو حدين.. والحقيقة الفيس بوك أنا زعلانة منه جداً.. ومش مبسوطة على الإطلاق !!".
فتعقب عليها المذيعة في سقطة مهنية ترتقي لدرجة الجريمة الكاملة، لتعترف بأنها لم تدخل على "فيس بوك" من قبل، وتفسر ذلك :" أنا محبتهوش من اللي بسمعه من الناس.. وأساسا مفكرتش يوم من الأيام أني أدخل عليه".
لن أطيل عليكم، وسوف أترككم مع تصريحات الضيف الثاني، دكتور جمال مختار، مؤلف كتاب "هل الفيس بوك عدو أم صديق"، رغم تحفظي على عنوان الكتاب المستفز، إلا انه للأمانة بدأ كلامه بصورة موضوعية حول "فيس بوك" وأكد انه جاء كتطور طبيعي للتجمعات الشبابية في الأندية ثم منتديات الانترنت وصولاً لشبكة "فيس بوك"، التي اعتبره نادي بلا أسوار.
وطبعاً.. هذا الكلام لم يرضى المذيعة الفاضلة منى الشرقاوي، فاعترضت واختلفت معه بشدة، في محاولة مفضوحة منها لتجبره على أن يتجاوب مع حربها علي "فيس بوك".
وأشارت إلي أنها والست الدكتورة ضمن ناس "مش حبه الفيس بوك"، وقالت :" أنا جاتلي شكاوي من بنات.. للأسف ابتدوا يكونوا مفتوحين أكثر، وبيبعتوا صورهم، واستغلت صورهم في أشياء كثيرة ضدهم". ثم التفت للدكتور مختار وهي تستعجله الانضمام لها:" حضرتك شايف مساوئ الفيس بوك إيه ؟.
مصر النهاردة
ومرغماً، بدأ الدكتور المحترم في مجاراتها فقال:" بقى مليان مساوئ، واللي عايز يعمل حاجة بيعملها، اللي ينتحل شخصيتك، أو يهاجمك، أو ياخد صورتك، أو يقول إني عمرو دياب، أو يرسل فيروسات، أو يخترق أو يثير الفتن والإشاعات.. وكمان غسيل أموال". وهكذا اختفى الشخص الموضوعي الوحيد في هذه الحلقة، وبدأت حرب بشعة أمتدت أكثر من نصف ساعة لتقطيع فروة "فيس بوك واللي خلفوه".
ولكن ما لا يمكن أن نتصوره أنهم أكدوا بما لا يدع مجال للشك أن فيس بوك" ممول من جهات إستخباراتية أجنبية، ومستخدمي "فيس بوك ما يعرفوش كدا "، طبعاً لأنهم مجموعة من السذج المراهقين الذين يجلسون بالساعات فقط للحديث عن موضوعات جنسية وتافهة، وليس هذا فحسب.. ولكن حسب قولهم، أنهم يفشون أسرار مصر وأسرار البلد، يعني "جواسيس علي بلدهم.. وبالمجان وفيهم عناصر وتشكيلات". والله قاولوا كدا.. وبعد كدا.. مفيش كلام "أضحك" من كدا.. وادخلوا شوفوا الكوميديا كلها بنفسكم !!
كلمة أخيرة: لماذا كل هذه "الزيطة والزمبليطة" على شبكة "فيس بوك" والانترنت بصفة عامة ؟ القصة بمنتهى البساطة في كلمتين الانترنت انعكاس حقيقي غير مزيف لواقعنا.. صحيح واقع تخيلي، ولكن يعبر عن كل شيء بداخلنا وحولنا.. الخير والشر. الكنيسة والجامع، الالتزام والإباحية، الترفيه والعمل، السلام والإرهاب، العلم والمعلومة.. كل شيء في هذه الحياة عند أطراف أصابعك.
ويا أصحاب عصور الظلام وأيام الجاهلية المعلوماتية.. أيامكم معددوه فأجعلوها تمر عليكم بسلام.