خالد البرماوي
لا اعتقد انه يعتد بشهادتي عند السؤال عن الهجوم علي مواقع الشبكات الاجتماعية مثل "فيس بوك" أو أي قضايا لها علاقة بالانترنت بصفة عامه، فشهادتي مجروحة.. فمن ناحية أنا اعمل في موقع اليكتروني أي أنني صاحب مصلحة، ومن ناحية أخري أغلب سنوات عمري التي قضيتها في بلاط صاحبة الجلالة كانت في رحاب صحافة الاتصالات والمعلومات، فأصبحت دون أن ادري عضو مشارك في مجتمع "ICT" اختصار للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وإذا كانت شهادتي أنا مجروحة، فهناك غيري شهادتهم ليست مجروحة لأنهم ببساطة أصحاب البيت وكان لهم بعض الفضل في انتشار شبكة الانترنت في مصر، وهم اقدر من يدافع عنها الأن بحكم منصبهم، وأعنى بذلك أفراد الحكومة الذكية. ولمن لا يعرف فالدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الحالي هو من أطلق مبادرة الانترنت المجاني عام 2003 بحضور الرئيس مبارك، ووقتها كان يشغل منصب وزير وزيرا للاتصالات، وقبل ذلك – لمن يتذكر- كانت بعض شركات الانترنت تبيع لنا الانترنت مدي الحياة في عروض اغلبها كانت وهمية.
والدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، شبكة الانترنت ملفه الرئيسي ونقطة تميزه منذ أن كان يعمل في مركز معلومات مجلس الوزراء قبل أكثر من 15 عاماً، وحالياً يمثل عامل ضغط على شركات الانترنت والمصرية للاتصالات لتخفيض أسعار الانترنت أو زيادة السرعات، ولن أحدثكم عن الدكتور أحمد درويش مهندس مشروع الحكومة الاليكترونية، ولا المهندس علاء فهمي وزير النقل الحالي، والذي كان يشغل في السابق منصب الرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم الاتصالات، ولا الدكتور علي مصيلحي وزير التضامن الاجتماعي، والدكتور وزكي بدر وزير التربية والتعليم، وجميعهم جاءوا من خلفية تكنولوجية.
الغريب في الأمر.. انه ففي الوقت الذي تضم الحكومة فيها أكثر من 6 وزراء لديهم خلفية تكنولوجيا صريحة ساهمت بلا شك في تأهيلهم لهذه المناصب، يخرج علينا التليفزيون الحكومي الرسمي مطالباً بمنع الانترنت وحجب المواقع وتشديد الرقابة عليها، وتتباهي مذيعة برنامج " مصر النهاردة" بان عدد مستخدمي الانترنت قليل.. وتردد "الحمد لله أنه لسه محدود"، وتتهم مستخدمي "فيس بوك" بأنهم يعملون جواسيس علي مصر بالمجان". للعلم فقط: استخدام الانترنت احد المؤشرات الرئيسية التي يقاس بها ألان مدي تقدم الشعوب.
يستبعد الجزء الأيمن (الساذج) من عقلي نظرية المؤامرة، رغم الكثير من الشواهد التي تؤكدها، ولكن إذا كانت حملة التضييق على وسائل الإعلام والمعلومات والانترنت و"فيس بوك" غير مقصودة، فلماذا لا نرى أقطاب الحكومة الذكية يدافعون عن معتقداتهم التي دائما ما كانوا يرددونها علينا، عن حرية المعلومات وعن عصر السماوات المفتوحة والخ ، أذكر كلمات لدكتور نظيف قبل أكثر من 7 سنوات في معرض التكنولوجيا المصري Cairo ICT، قال فيه بالحرف:" المعلومات هي جوهر الاقتصاد العالمي الجديد، وحجب أو منع المعلومات سيؤدى إلي تراكم الكثير من القرارات الخاطئة من الناس ومن متخذي القرار، وسيرسل هذا رسالة خاطئة عن مصر للعالم".
هذه التصريحات تكررت في مناسبات عديدة بطرق مختلفة على لسان وزراء الحكومة الذكية، وأغلبهم قضى جزء من دراسته في أمريكا، أي انه تعلم وتنور وشاهد بنفسه أن توافر المعلومات وحرية الإعلام اكبر ضامن لوطن ديمقراطي وشعب حر. اعلم أن اغلب الوزراء لديهم أفكار متحررة أكثر من شباب الانترنت نفسه، ولكن البون شاسع بين ما يعتقدونه وما ينفذونه، وفي هذه المسافة تعربد نظرية "الأمن" لتلعب الدور الأكبر.
ويا ليت نظرية الآمن هذه وفرت لنا حياة كريمة، يَأْمَن فيها المواطن علي نفسه أو أسرته أو عمله، أو حتى حذرت الحكومة من الارتفاع الجنوني لأسعار "الطماطم" أو ضبطت أسواق اللحوم أو أنابيب الغاز أو الخبز المدعم، أو كانت العيون الساهرة للأمن حذرتنا من مافيا الاتجار بأراضي الدولة.. فكيف لمن فشل في "منح" الناس الطماطم.. أن يقدم نفسه كقوة قادرة علي "منع" المعلومات؟
لا اشك مطلقاً في دهاء وذكاء الحكومة، ولكن هذا الذكاء – للأسف- يسير في الاتجاه المغاير لاحتياجات ومطالب الناس، فلا يشعرون بآلامهم ولا يعبرون عن احتياجاتهم، ومن هنا تغيب الثقة.. مفتاح كل أزماتنا في مصر في السنوات العشرين الماضية "الثقة"، فاغلب الحكومات التي تعاقبت علينا تعتقد أن الشعب المصري ليس أهلاً للثقة لا يعرف مصلحته ولديهم أسبابهم بالطبع.. ومن ناحية أخري لا يثق الشعب المصري في الحكومات، لأنه ببساطة لم يأتي بهم وبالتالي لا يستطيع محاسبتهم أو عزلهم.
بعد كل هذا النكد.. أنصحكم أن تحصلوا علي جرعة كوميديا خالصة من الشباب المصري، ادخلوا علي موقع "تويتر".. واكتبوا في خانة البحث كلمة.. "EgyptFacebook"
كلمة أخيرة: الثقة ثم الثقة.. قول مليون مرة الثقة المفقودة.. التي أصبحت كالعنقاء والخل الوفي، فكيف تصل لبر الأمان رحلة.. ربان المركب فيها لا يثق في أن بحارته أكفاء.. والبحارة لا يثقون في أن الربان يعرف الطريق، والنتيجة:" بنلف في دواير والدنيا تلف بينا.. ودايما ننتهي لمطرح ما ابتدينا ... بنلف في دواير ندور ع الامان.. ونلاقينا رجعنا تأني لنفس المكان".