روني الجارة الجديدة
حين استأجرت السيدة روني الشقة الفارهة في مبنى فخم مؤلف من أربعة طوابق في حي راق من أحياء مدينة حلب لم يكن احد يعرف إلا القليل من الناس أن روني هو اسم الدلع للسيدة رانيا لان كلا من الاسمين يبدأ بحرف الراء إضافة إلى اسم رانيا شعبي وط"فولغير" واسم روني أكثر حداثة وانسجاما مع روح العصر ومع متطلبات العلاقات الاجتماعية المخملية.
وطبقا للعادات الجارية فقد قام بعض الجوار ممن يسكنون في المبنى ذاته بزيارة ترحيب للسيدة روني منهم من هو مدفوع بحكم التقاليد والأخر تحركه نوازع الفضول والاستطلاع لأحوال هذه الأسرة الجديدة ..
كان يحيط بأسرة روني الكثير من الغموض والتناقضات فهناك من يقول أنها من أصل لبناني جاءت إلى سورية زمن الحرب الأهلية واستقرت في مدينة حلب وهناك من يقول أكثر من ذلك جاءت من لبنان ولكنها سورية الأصل وتنحدر من إحدى عشائر النور الرحل وعملت في مطلع صباها وهي صغيرة السن في احد ملاهي حلب الليلية فنانة مجالسة ثم ساقها الحظ الحسن إلى ملاهي بيروت مع رجل لبناني متمرس عرف كيف يقودها ويطورها ويستفيد منها.
وألان وبعد أن شبت عن الطوق وتقدمت بها السن أرادت أن تعود إلى حيث نشأت وبدأت وعاد معها أفراد أسرتها إضافة إلى خادمة فلبينية وبعض الأقارب بين مقيم وزائر عابر في غياب وحضور يطول أحيانا ويقصر أحيانا أخرى إلا أن الذي كان يلفت نظر الجوار كثرة الزوار والمترددين على منزل السيدة روني ومن خلال متابعة بسيطة وجدوا أن نوعية الزوار ممن يركبون السيارات الفارهة وان معظمهم يدخل البناء بطريقة اقرب ما تكون إلى التسلل وغالبا ما كان يفتح لهم باب الدار دونما حاجة لطرقه ويغادرون بمثل ما أتوا وتزداد وتيرة المترددين على الدار وتبلغ ذروتها غالبا في الليل
الجيران يعقدون مؤتمرا طارئا
لم يكن وضع هذه الدار وساكنيها يحتاج إلى كثير من الشرح والبيان لا من خلال تاريخ حياة صاحبة الدار ولا من خلال واقع الحال الأمر الذي دفع السيد محمود الذي يسكن الشقة التي تعلو شقة السيدة روني أن يفاتح بقية الجوار بالموضوع فوجد الجميع يعرف عنها كما يعرف بل راح بعضهم يزيد من تفصيلات لم يكن هو يعرفها فدعاهم إلى اجتماع في داره للتداول في أمر هذه الجارة المشبوهة السلوك والسمعة والبحث فيما يحفظ لهم سمعتهم وسمعة المبنى والحي الذي فيه يقطنون وخصوصا أن لديه شبابا وبنات خيري في الشهادة الثانوية و فتون في الحادي عشر
وفي الاجتماع علت الأصوات وكثرت الآراء والاقتراحات ثم استقر الرأي على أن يعلموا الشعبة الأخلاقية في المباحث الجنائية فهي أدرى بما يجب أن تفعله
كل الذي كانت تفعله الشعبة الأخلاقية أنها ترسل دورية عقب كل أخبار هاتفي عن زوار مشبوهين تدخل الدورية دار السيدة روني ويخرج أفرادها بعد نصف ساعة والارتياح باد على محياهم والابتسامة تعلو وجوههم و روني تودعهم حتى مشارف الدرج
تكررت الإخباريات وتكررت الشكاوي والنتيجة واحدة أن لا شيء مشبوها في الدار والجيران مغرضون وحاقدون
أمام هذه النتائج تطوع البعض من الجوار مدفوعا بباعث الغيرة والشرف ليلقن هذه الروني درسا لا تنساه يجعلها تحزم أمتعتها وترحل وليكن بعدها الطوفان
البعض اقترح أن يرفع الأمر إلى المحافظ اعتقادا منه انه لا يدري وهناك من أكثر تعقلا أن يذهب وفد من الجيران إلى دمشق ويتقدم بمعروض إلى السيد وزير الداخلية بالذات
من المخدع المخملي إلى السجن
ويبدو أن هذا الاقتراح الأخير هو الذي استقر الرأي حوله وكان فعلا هو الأجدى فأخذت الجهات المعنية الموضوع بجدية وأولته اهتمامها وبدأت المراقبة والمتابعة إلى أن جاء يوم داهمت فيه إحدى دوريات الأمن منزل السيدة روني على غير توقع وضبطت من فيه بالجرم المشهود وإحالتهم إلى القضاء المختص وصدرت الأحكام عليهم جميعا وكان نصيب السيدة روني سنة حبس مع الغرامة وختم المنزل بالشمع الأحمر إلى حين ......... وكان لهذا الإجراء صدى كبير في كل أنحاء المدينة
في السجن لم تكن روني تتورع عن إرسال التهديد اثر الأخر إلى السيد محمود بأنها ستنتقم منه مهما كلف الثمن ومهما امتد الزمن وان الانتقام سيكون من نفس صنف العمل ولكن السيد محمود لم يعر تهديداتها أي اهتمام ولا سيما لجهة عبارة من نفس العمل فما المقصود من نفس العمل فكان يردد ماذا تستطيع هذه "العاهرة" أن تفعل .. "لتبلط البحر"
مرت الأيام سريعا و انقضى العام وخرجت السيدة روني من السجن ونسي معظم الناس الموضوع إلا السيدة روني التي عادت إلى دارها وهي أكثر عتوا وشراسة فقد أكسبتها تجربة السجن الشيء الكثير عادت وفي ذهنها أمر واحد أن تلقن جارها محمود درسا يتعظ منه كل الجوار كيف هذا هو الذي كانت تخفيه روني في طيات نفسها حتى عن اقرب الناس إليها وبدأت تعيش أيامها على نحو مدروس وهادئ وعادي بعيدا عن كل شبهة وريبة بانتظار اللحظة المناسبة
ذات يوم حار من شهر أيار وفيما كان موسم الامتحانات على الأبواب كان الشاب خيري ابن السيد محمود معتكفا وحيدا في داره يحضر لفحص الشهادة الثانوية وإذا بالسيدة روني تطرق الباب مستغيثة زاعمة أن شرارة كهربائية صدرت عن العداد وتخشى نشوب الحريق فأسرع الفتى خيري إلى نجدتها فورا ونزع فتيل الحريق في الوقت الذي زرعت روني في قلبه فتيل حريق أخر دون أن يدري فقد كانت في دارها صبية حسناء تلبس قميص نوم شفاف يدير رأس أكثر الرجال عتوا ورصانة ومن هنا بدأت الحكاية
أميرة الانتقام
هذا اللقاء ذو الإخراج المتقن الذي حرصت روني أن يبدو عابرا وبالصدفة المحضة فعل فعله في نفس الشاب خيري ولم يجد هذا الشاب أيه صعوبة بعدها في البحث عن لقاءات أخرى من دون علم أبيه طبعا وأخذت تتكرر هذه اللقاءات التي كانت الأولى في حياته وتزداد جمالا ووصالا وبدأ يكتشف خيري أن روني كانت مظلومة بما فعله أبوه معها لأن "الإنسان حر بنفسه وحر في أن يفعل ما يشاء ويريد مادام داخل داره "
كان استدراج خيري إلى منزل السيدة روني الخطوة الأولى من الخطة الجهنمية التي رسمتها بدقة وبعناية شديدتين وأخذت تسبغ على خيري من نعمها وكرمها ما يفوق الوصف فكلما وردتها زائرة ذات حسن وجمال ودلال هتفت لخيري عبر إشارات اتفقا عليها ليغرق هذا الشاب الغر في جنة الملذات حتى شحمة إذنيه وعرف من خبايا النساء من هن زوجات رجال لهم أسماؤهم اللامعة في البلد كما كانت بارعة في توريط الفتيات الجميلات المراهقات ولا سيما تلميذات المدارس وشهد منزل روني الكثير من هذه الباذل والمآسي
عروس للمحروس
ذات يوم رن جرس الهاتف في منزل السيد محمود كانت المتحدثة سيدة ذات صوت وقور تطلب موعدا لزيارة الأسرة بغرض مشاهدة شقيقة خيري لصغرى فتون واتفقت المتحدثة على موعد تكون فيه فتون قد عادت من المدرسة فالبنت كبرت وأصبح الخطاب يطرقون الباب يطلبونها لأبنائهم لم لا فالزواج الناجح أمنية كل فتاة
في الموعد المحدد حضرت السيدة التي اتصلت هاتفيا وكان كل ما فيها يدل على إنها من الطبقة الارستقراطية المخملية وكان في صحبتها ابنها الشاب الوسيم الأنيق الممتلئ حيوية ورجولة والتي تتمناه كل فتاة في البلد
كانت جلسة سريعة خرجت فتون خلالها لترحب بالضيوف وتقدم لهم القهوة ثم تنسحب وفق العادات والتقاليد السائدة في بعض المجتمعات في حلب وقبل أن تهم السيدة الزائرة بالانصراف مع ابنها الشاب الذي جاء في زيارة توطئة لخطبة البنت كانت هذه السيدة قد مررت الكثير من الأحاديث المعلومات عن ابنها و الفيلا الأنيقة والسيارة الفارهة الرحلات إلى أوربا الثياب الفاخرة وكل ما يسيل له لعاب البنات باختصار عريس لقطة
في تلك الليلة لم تعرف فتون البريئة النوم ولم يغمض لها جفن وهي تحلم بهذا الفارس الذي هبط عليها فجأة ودون سابق إنذار وكذلك الأم والأب وسائر أفراد الأسرة ولكن هذا الشاب الذي بدا وكأنه الحلم الذهبي خرج ولم يعد ولم يسمع عنه احد أي خبر وتأكد لفتون أن زيارة هذا الفارس لم تكن إلا حلما جميلا لم تهنأ به
وذات يوم وفيما هي منصرفة من مدرستها تقف سيارة فارهة بجانب الرصيف ويترجل من وراء مقودها رجل كانت قد نسيت ملامحه واذ بها تتذكره انه ذلك الشاب الذي جاء ذات يوم مع والدته إلى دار أهلها وقفت أمامه في حالة اقرب إلى الذهول مرت لحظات من الصمت فقطعها قائلا هل تذكرتني يا فتون لم يكمل ولاذ بالصمت
احمر وجه فتون خجلا واضطربت ولم تعد تدري ماذا تقول هل عاد الحلم الذهبي يراودها ثانية أن أنها الحقيقة
ثم اتبع قائلا أريد أن أراك على انفراد يا فتون
*على انفراد أعوذ بالله ما هذا الكلام
لا تفهميني غلط يا فتون هناك أمور هامة يجب أن أطلعك عليها قبل أن أزوركم ثانية
*قل ما تشاء فانا أسمعك
هنا في الشارع
*أن لم تكن هان فأين
شعر الرجل أن الصيد بدا يقترب من المصيدة فالسؤال أين يعني أن لا خلاف على اللقاء ولكن على المكان فأتبعها على الفور وبلهجة مشبعة بالثقة من منزل خالتي
*ومن هي خالتك
إلا تعرفينها أنها السيدة رانيا جارتكم
*رانيا !!
هنا ضحك الرجل مقهقها "معك حق انتم تعرفونها باسم روني .........روني اسم الدلع منذ أن كانت خالتي صغيرة ما رأيك أن أراك عندها وعفا الله عما جرى سنصبح أقارب يا فتون"
تلعثمت فتون وقبل أن يتاح لها أن تنطق بحرف حسم الشاب الأمر وقال لها سأنتظرك عندها في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر وفتح باب سيارته وانطلق بها كالريح وعجلاتها تئز أزيزا حاد على لأرض الإسفلتية من سرعة دورانها
في المنزل كانت رانيا تصغي بكل جوارحها لحديث هذا الشاب وعما أنجزه من المهمة الخاصة وحين انتهى من الكلام سألها : باعتقادك هل ستأتي
* بالتأكيد
ولكنها لم تجزم ولم اسمع منها الموافقة
*أنا اعرف البنات المتلهفات على الزواج من الشباب أمثالك أكثر منك
وأبوها
*لن تخبر أحدا بمجيئها إلى هنا فأنت لا تعرف البنات
نهضت روني وكأنها أمام أمور تريد انجازها قبل أن تحين الساعة الثالثة
وفي تمام الساعة الثالثة والنصف كان خيري يطرق باب منزل السيدة روني برفق كما اعتاد أن يفعل في كل مرة
فتحت الخادمة الفلبينية الباب ودعته إلى الدخول بصمت استقبلته روني في منتصف الصالون وأشارت بإصبع يدها على فمها أن يلتزم الهدوء ألا ينبس بكلمة وأومأت برأسها إلى غرفة النوم وطلبت منه التريث ريثما ينتهي الزائر الذي سبقه
ما هي إلا لحظات حتى خرج الزائر وهو منهك بإكمال ارتداء ثيابه بما فيها أزرار البنطال واتجه إلى الحمام عندها أشارت روني بيدها إلى خيري أن يتفضل إيذانا منها بالدخول فقد حان دوره من دون أن يدري من ينتظره في الداخل
عندما بدأت تلوح من بعيد أصوات سيارات لشرطة والإسعاف تولول في الشوارع القريبة لم يكن احد من سكان الحي يتوقع أن تقف أمام المبنى الذي يسكن فيه محمود ولم يكن السيد محمود نفسه الذي وقف في الشرفة أسوة بالآخرين من أهل الحي ليستطلع ما يجري يتوقع أن يحمل رجال الإسعاف ابنته فتون على المحفة مخنوقة وتقتاد الشرطة ابنه خيري مكبلة يديه اللتين خنقتا أخته ..؟!
[