عند البحث عن الصحة، يتجه نظر العقلاء نحو بيت الداء، وهي المعدة، وما نضعه فيها من أطعمة غير صحية، وما نتناوله بطريقة عشوائية، يجعلها بيتا يسكن ويترعرع فيه الداء، ويتغلغل منه لينتشر في بقية أعضاء الجسم وأجهزة أنظمته الحيوية.
وإذا ما أردنا تطهير هذا البيت وجعله بيتا جيد السمعة، أي بيتا للصحة بدل الداء، علينا أن نبذل جهدا لنحميه، وذلك بسلوك طريق الحمية diet.
والموروثات الثقافية استخدمت اللغة والمعرفة بدقة، ووصفت الغذاء الصحي الذي ينصح به كل الناس، بكلمة «الحمية».
بينما عُرفنا الاجتماعي اليوم يجعل «الحمية» رديفا لقوانين صارمة في منع الإنسان من تناول أنواع من الأطعمة، ويجعل الحمية شيئا يخص فقط المرضى بارتفاع السكر أو الكولسترول أو مرضى القلب أو الكبد أو الكلى أو غيرهم.
والصواب، المتطابق مع الموروثات الثقافية، هو استخدام الطب الحديث لكلمة الحمية في وصف «التغذية الصحية» غير الموجهة للمرضى فقط، بل الموجهة أيضا لتوضيح الغذاء، الذي على عموم الناس الأصحاء الحرص على تناوله، سواء كانوا أطفالا أو بالغين، وفي أي أوقات السنة، وتحت أي ظروف.
موائد رمضانيةولدى البعض في شهر الصوم، يختلط الحابل بالنابل في شأن الغذاء، وتظهر أصناف من الأطعمة غير الصحية بشكل ملفت، بل أصبحت سمة للغذاء فيه.
وتختفي بشكل غير منطقي وغير مبرر أصناف من الأطعمة الصحية، وبشكل ملفت للنظر أيضا، وبدلا من أن ينصب الاهتمام إلى تزويد الجسم بالماء، باعتباره أكثر العناصر المتأثرة بعدم الأكل والشرب خلال ساعات النهار، وبدلا من الحرص على البدء بتناول أطعمة سهلة الهضم، كالرطب والفواكه وشوربة الخضار الخفيفة، يتجه الجهد نحو تلبية «سد الجوع» بالمعجنات والمقليات واللحوم والبقول المعقدة المليئة بالدهون.
والجوع الذي يتحكم بهؤلاء، ليس ذاك النداء الذي تصدره أنسجة الجسم حال نقص إمدادها بالعناصر الغذائية الضرورية، بل نداء المعدة العالي بأنها خالية ولا طعام فيها.
وننسى بالتالي الحقيقة المعلومة: أننا نأكل لا لنملأ وعاء المعدة بالدرجة الأولى، بل نأكل بالأصل لنعطي أعضاء وأنسجة الجسم ما تحتاجه من عناصر غذائية، وإلا فوعاء المعدة لا يمكن أن يمتلئ طوال الوقت، ولو جرينا وراء هذا الهدف فقط لكنا في خبر كان.
وننسى حقيقة مهمة أخرى، وهي أن جسم الإنسان الصحيح، الخالي من الأمراض، لا يتأثر بمجرد التوقف عن الأكل لمدة 12 ساعة، قدر تأثره بنقص الماء.
تناول الخضار والسلطة
وأولى العناصر المظلومة في سلوكيات تناول الأطعمة خلال شهر رمضان، هي الخضار الطازج والسلطات المُعدة منها.
ومن المحير جدا فهم سبب اختفاء السلطات من قائمة ما يوضع على الموائد الرمضانية في وجبات الإفطار أو السحور!
وتحديدا، لماذا لا يتناول البعض السلطات وهي غنية بالماء؟
ولما لا يتم تناولها وهي التي تسد صرخات جوع المعدة بسهولة؟
ولما لا نتناولها وهي التي تعطي للجسم برودة تقاوم حر النهار؟
ولما لا نحرص عليها وهي العامرة بالفوائد، التي لتناولها أسباب صحية لا يمكن الجدال فيها؟
وخاصة من تجارب الناس، أن سلطات الخضار الطازجة لا تذكر ضمن الأطعمة التي قد تتسبب بالشعور بالعطش السريع، كما هو الحال مع المأكولات المالحة أو المأكولات حلوة الطعم.
عادة صحيةإن تناول سلطات الخضار الطازجة هو ما يصنع الفرق بين أن يكون تناول الطعام وسيلة للتسمين وتكديس الجسم بعشرات الكيلوغرامات من الشحوم، وبين أن يكون عاملا مساعدا في انتظام عمل الجهاز الهضمي، وإعطاء الجسم الكثير من المعادن والفيتامينات والألياف، والقليل من السكريات والبروتينات والنادر من الدهون.
ولذا فإن تناول السلطة هو أحد أهم وأسهل العادات الصحية اليومية التي يمكن للشخص أن يتبناها في شأن التغذية.
وصحن السلطة هو المتعة بقرمشة قطع الخس أو الخيار أو الجزر أو الأرضي شوكي، والطعم المميز للطماطم وحامض الليمون، والليونة في قضم شرائح الأفاكادو، والنكهات الفريدة للبقدونس أو الكزبرة أو الجرجير، وغيرها مما يضاف إلى السلطات.
وصحن السلطة يكتسب مزيدا من الفائدة، بإضافة مرق «الصوص» المعد من زيت الزيتون والخل، وبإضافة مكسرات الجوز أو الأفاكادو، وقد يصبح طبق السلطة الخضراء وجبة كاملة بنثر مبشور جبن البارميزان لاذع الطعم، مع شرائح من صدر الدجاج أو قطع أسـماك التونا أو قطع الخــبز المحمص، أو حتى شرائح من فواكه البرتقال أو الخوخ أو البطيخ أو الشمام.
أربعة أسباب صحيةوهناك أربعة أسباب صحية أخرى، تجعل أحدنا يحرص على تناولها في وجبات طعامه، وهي:
1- السلطة طريقك لتناول الألياف: ونحن نحتاج الألياف للوقاية من الإمساك، وأهم أدوية علاج الإمساك تحتوي على ألياف طبيعية.
والألياف وسيلتنا لخفض امتصاص الأمعاء للكولسترول، وأيضا لضبط و«فرملة» السرعة التي يتم بها امتصاص السكريات، والمصادر الطبية تلاحظ أن الأشخاص الذين يتناولون الألياف، أقل وزنا من الذين لا يتناولونها.
2- تعطيك السلطة معادن وفيتامينات ومضادات الأكسدة.: وحينما يشكل أحدنا مكونات طبق السلطة، بإضافة إما الطماطم أو الخيار أو الخس أو البقدونس أو الجزر أو الكرفس أو الملفوف أو الجرجير، أو الفلفل أو غيرهم من الخضار الملونة، فإننا نجمع كميات متفاوتة من الفيتامينات والمعادن، ومعلوم أن المعادن والفيتامينات عناصر أساسية حيوية للجسم، ولا يصنعها الجسم، بل عليه الحصول عليها من الغذاء.
3- تقليل الشعور بالجوع والحد من تناول الطعام: وتناول محتويات صحن السلطة عملية تتطلب المضغ والبلع وملء جزء من المعدة بكتلة غذائية.
وهذه الكتلة الغذائية قليلة المحتوى من طاقة السعرات الحرارية (كالورى)، وبالنتيجة، فإن صحن السلطة وسيلة لسد جزء من الشعور بالجوع، وملء لجزء من المعدة بغذاء خفيف، ولأن السلطات غنية بالألياف، فإنها تبطئ امتصاص السكريات لفترة أطول، ولذا فتناول السلطة في رمضان وسيلة لإطالة مدة تزويد الدم بالسكريات الغذائية، وبالنتيجة، يقل الشعور بالجوع، ولا تنخفض بسهولة كمية السكر في الدم، طوال ساعات صوم النهار.
4- طريقة خفيفة للحصول على الدهون الصحية: حينما يتم إعداد طبق السلطة بالطريقة الصحية، يضاف إلى قطع الخضار المتنوعة أنواع من الثمار الدهنية، كالأفوكادو وأوراق الرجلة (البقلة) وقطع من المكسرات المجروشة، وقليل من زيت الزيتون، وهذه الدهون الصحية إضافة إلى أنها تمد الجسم بنوعية عالية الفائدة، فإنها تسهل أيضا عملية امتصاص الأمعاء للمواد المضادة للأكسدة الموجودة بنسب عالية في الخضار الطازج الملون.
مواصفات الغذاء الصحي .. ماذا وكيف ومتى نأكل؟
لحمية الغذاء الصحي وصف يختصر ضمن عدة عناصر، منها:
- تهدف الحمية إلى تزويد الجسم بحاجته من العناصر الغذائية الكبيرة major، كسكريات النشويات للكربوهايدريت، والبروتينات، والدهون، وتزويده أيضا بالعناصر الغذائية الصغيرة miner، كالأملاح والمعادن والفيتامينات.
- أن تكون الكمية لأي من العناصر متوافقة مع حاجة الجسم، لا ما يمكن للمعدة استيعابه، أي أن تشكل السكريات البسيطة والنشويات المعقدة نحو 50 في المائة من طاقة السعرات الحرارية (كالورى) للغذاء اليومي، والبروتينات 20 في المائة والدهون نحو 30 في المائة.
- الجوع هو المحرك لتناول الطعام، والشبع يجب أن يكون المؤشر المطاع للتوقف عنه.
- كمية الطعام اليومي الذي يحتاجه الجسم، يجب أن تقسم إلى ثلاث وجبات رئيسية ووجبتين خفيفتين في ما بينهم.
- هناك منتجات غذائية نباتية وحيوانية متوفرة، ينتقى منها بحسب محتوياتها ونسبة العناصر الغذائية فيها، بغية الاستفادة أفضل ما يمكن بما هو في الطبيعة من خيرات متنوعة، ويكون الضبط في مجال تناول اللحوم والأسماك والدواجن والبيض، وفي مجال الحبوب والأرز والدقيق والمعجنات، ويكون الحرص على عدم إهمال تناول الألبان ومشتقاتها، وعدم إهمال تناول الخضار والفواكه الطازجة والمطبوخة، والتذكير بتناول شيء من المنتجات الغذائية المفيدة، كالمكسرات والبذور، مع الحرص على تقليل تناول أملاح الصوديوم، في ملح الطعام أو البيكنغ صودا أو غيرهم.
- الحرص على شرب ما يلزم الجسم من كميات الماء، وعلى فترات طوال اليوم.