هل يجوز صيام يوم الجمعة لمن نذر صيام نبي الله داوود؟
يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبد الله سمك : نعم ، يجوز صيام يوم الجمعة وحده .
لمن نذر صيام نبي الله داود ، أي يصوم يوما ، ويفطر يوما ، أما المنهي عنه فهو تخصيص يوم الجمعة بالصوم وحده ؛ لما روي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرًا : ( أَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ،وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ : أَنْ يُفْرَدَ بِصَوْمٍ ) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ ، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ .
وَلِمُسْلِمٍ : ( وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ } وَلِأَحْمَدَ { يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ) .
وَعَنْ جَوَيْرِيَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ : أَصُمْتِ أَمْسِ ؟ قَالَتْ : لَا ، قَالَ : تَصُومِينَ غَدًا ؟ قَالَتْ لَا ، قَالَ : فَأَفْطِرِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ) .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ) ، وَعَنْ جُنَادَةَ الْأَزْدِيِّ قَالَ : ( دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الْأَزْدِ إنَاثًا مِنْهُمْ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ : هَلُمُّوا إلَى الْغَدَاءِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّا صِيَامٌ ، فَقَالَ : أَصُمْتُمْ أَمْسِ ؟ قُلْنَا : لَا ، قَالَ : أَفَتَصُومُونَ غَدًا ؟ قُلْنَا لَا ، قَالَ : فَأَفْطِرُوا ، فَأَكَلْنَا مَعَهُ ؛ فَلَمَّا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ يُرِيهِمْ أَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ) رَوَاهُمَا أَحْمَدُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ أَوْ صَلَاةٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ ، وَاسْتُدِلَّ بِالأَحَادِيثِ السابقة عَلَى مَنْعِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ .
وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ .
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ ، وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا ثَبَتَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرَى تَحْرِيمَهُ .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ : يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ ، وَلَوْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى النَّهْيِ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُكْرَهُ ، وَاسْتَدَلَّا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ مَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ فِطْرَهُ إذَا وَقَعَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يَصُومُهَا ، وَلَا يُضَادُّ ذَلِكَ كَرَاهَةَ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ .
قَالَ : وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى .
وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَقَامِ مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : يَوْمٌ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَحْدَهُ ، وَهَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ .
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا رَآهُ هُوَ وَغَيْرُهُ .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّهْيَ صَوْمُ الْجُمُعَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ ، وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ : لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ .