هذه القصه قراتها وعجبتنى
اتمنى تعجبكم
0000000
كان المطر ينهمر بشدة على زجاج سيارة المحامي الذائع الصيت وهوعائد من
بيروت الى الشام ..عندما وصل إلى مشارف المدينة ،كانت رشقات المطر قد
ازدادت عنفا وشدة ..اضطر معها المحامي المشهور إلى إغلاق نافذة سيارته
الجانبية .. و اضطر معها إلى إطفاء سيجاره الفاخر بعد ان اصبحت سحابة
الدخان في هذه السيارة المغلقة ، ضبابا اسود يمنع الرؤيا من خلال الزجاج
الأمامي ..نفض عن معطفه بقايا الرماد العالق عليه ، واستوى في جلسته ،
فالقيادة في هذا الجو أصبحت شديدة الخطورة وهو شديد الحرص على حياته
لدرجة أن شهرته في الحرص تعدت شهرته الأدبية ـ ـ ـ ـ ـ
بدأ يفكر في هذا الطريق الخالي ,وتذكر منذ يومين عندما أخذته نشوة النجاح ،
( فالنجاح في عمله اصبح جزءا من شخصيته الأرستقراطية) ـ في أن ينزل إلى
الشارع ليرى ردة فعل الناس على مجموعته القصصية والتي أصبح الإستماع
إليها تقليدا اجتماعيا ، بعد ان تحولت الى مسلسل إذاعي مشهور.. كانت
الشوارع وقت اذاعة الحلقة تكاد تخلو من المارة ، فالكل يتحلقون حول أقرب
راديو يصادفهم ، والكل يتساءل ويخمن: ماذا عساها أن تكون جريمة هذا
الاسبوع ؟ .. لم يصبه الغرور كثيرا لأن الغرور لم يكن ينقصه أصلا ..إنه كاتب
قصص الموت والجرائم وحكايا الرعب وحوادث القتل التي تحدث باسم الجن
والشياطين ...
ذكّره هذا الطريق الخالي أمامه ، بحال الطريق وقت إذاعة الحلقة ، فأصابته
نشوة غرور عارمة ..وابتسم لنفسه قليلا : أنا كبير السن ، هل يتجرأ أحد من
زملائي ، حتى الأصغر سنا مني ، على السفر لوحده في هذا الطريق الطويل
الموحش ، وبهذا الوقت المتأخر من الليل ، وبهذا الجو المخيف ؟هز رأسه
واتسعت ابتسامته قليلا....لكن ما رآه أمامه ,جعل وجهة يكفهر بسرعة غريبة
وابتسامته تتلاشى !!!!
رأى عن بعد ، خيال فتاة في مقتبل العمر ، تصرخ بطريقة هيسترية ،محاولةَ إيقافه، لم
تكن الفتاة بحاجة إلى هذا الإلحاح لتوقفه ، فهو طوال حياته كان الفارس النبيل قولا
وفعلا (او على الاقل هكذا كان ينظر لنفسه ) ..ضغط على الفرامل بشدة رغم حرصه الذي عرف عنه ...
هاله وأرعبه منظر الفتاة ، كانت شبه عارية لا يسترها سوى غطاء قطني أبيض مائل
للسمرة وممزقا لدرجة ان ماكان مكشوفا من جسدها البض
المبلل بماء المطر ،أكثر مما كان مخفيا ,فتح لها الباب فقفزت بسرعةجنونية ، كانت
تنكفأ وتنطوي على نفسها محاولة ستر ما يمكن ستره من نصفها الاسفل ..ترك
المحامي مقود السيارة ريثما يخلع معطفه الأسود،وألقاه على جسد الفتاة ، كان وجود
الغطاء الرمادي على جسدها كعدمه,وما إن التقطت الفتاة المذعورة أنفاسها حتى بدأ
سيل الاسئلة المحبوسة في فمه ينهمر كسيل المطر المنهمر في الخارج..ما قصتك يا
ابنتي ؟ ومالذي اتى بك الى هذه المنطقة الموحشة ؟ ..حسب ما أعرف ليس في هذه
البقعة المهجورة سوى هذه المقبرة ..وما هذا الغطاء الذي ترتدينه والذي يشبه ....
- الكفن ..أعرف ما ستقول...إنه في الواقع غطاء سرير أبيض قديم ومهترىء ، حتى يخيل إليك أنه رمادي اللون بسب اتساخه ..هذا ما وجدته أمامي لأستر نفسي
به ..أرجوك يا أستاذ خليل سأروي لك كل شيء غداولكني منهارة ولا أستطيع الرجوع
بذاكرتي إلى هذه الليلة القاسية و..
-أتفهم ذلك يا ابنتي ..هدئي من روعك ، ولن أسألك شيئا ..سؤال واحد بعيدا عما
حدث ..كيف عرفت اسمي ؟ صحيح ان كتبي ورواياتي معروفة ، لكن مسألة الظهور
أمام الناس لا أراهن عليها كثيرا ،قد أكون شخصية مرموقة ، ولكن من أين لفتاة مثلك
في مقتبل العمر أن تراني قبل الآن ؟
- ومن لا يعرف الاستاذ خليل القوادري كاتب الروايات البوليسية وقصص الرعب
المعروف ..كنا نقرأ كل قصصك في المدرسة ، حتى المدرسات كن يختصرن الدروس
حتى يسمعن قصصك عبر الراديو ، هلاّ انعطفت يمينا يا عمي ؟
-طبعا ، طبعا ..نسيت أن أسألك أين تقيمين ؟
- نحن نقيم في الدور العلوي لعمارة على مشارف الجبل ولكن من ناحية اوتوستراد
بيروت ، وليس من ناحية مركز المدينة ..انا وحيدة والديّ .. إسمي حنان..أبي طبيب
جراح ، ووالدتي طبيبة أسنان ـ ـ ـ
توقفت السيارة أمام بناء بدا أنه قديم العهد بالبناء لكنه في غاية الفخامة ..
-هلاّ أكملت معروفك معي أستاذ خليل ، وتركت لي المعطف حتى أصعد الى البيت ،
آ..لما لاتأتي صباح غد لزيارتنا، لأعيد لك معطفك و تتناول قهوتك مع أبي ..سيكون
سعيدا جدا بقدومك ، فهو يحب مؤلفاتك وشخصيتك جدا..
-دعوة كريمة لا أستطيع رفضها ..في الواقع لا أعلم إن كنت سأخلد للنوم حتى صباح
غد ، فأنا أموت شوقا لأعرف ما جرى لك في هذه الليلة العصيبة ..حسنا ، سأبقى
لحظات ريثما أطمئن أنك وصلت لباب شقتك ..استودعك الله يا ابنتي ..
- بل إلى اللقاء صباح غد أيها الرجل الطيب ...
بعد دقائق اندفعت سيارة المحامي وسط بركة الماء التي اتسعت بمحاذاة الرصيف كله . ـ ـ ـ ـ
ـــ ماهذه الليلة الطويلة ؟ مطر لا يريد أن يتوقف ، وقصة غريبة عشت بدايتها ولن أعرف
نهايتها حتى صباح غد ..متى تأتي أيها الصباح البعيدـــــ .
كان صباح اليوم التالي ممطرا أكثر مما قبله ، فما إن استرد المطر
أنفاسه خلال ساعات الليل الأخيرة ، حتى بدأ ينهمر بعنف مرة ثانية مع
بزوغ الفجر ــــــ
توقف الأستاذ خليل تحت العمارة ، وصعد إلى الشقة بسرعة لا تتناسب
مع سنه , فها هو قد أصبح على بعد خطوة من حل اللغز الذي ابقاه ساهرا
معظم الليل ..
رن الجرس وانتظر برهة ، حتى فتح له الباب رجل في بداية العقد
الخامس من عمره ،وكان وجهه تعبا وحزينا لكنه كان بشوشا لدرجة
شجعت المحامي على أن يشد على يديه طويلا قبل أن يدلف للداخل ..
-أنا ....
-تفضل يا سيدي ، فأنت غني عن التعريف ..من لا يعرف الدكتور خليل
القوادري الأديب وأستاذ الجامعة المعروف ..فرصة سعيدة حقا ..
جلس المحامي بشيء من الصلف والثقة ، بينما كان مضيفه ينادي
زوجته ..
-تعالي يا أم يوسف وسلمي على ضيفنا العزيز ، ستكون مفاجأة لك..
مفاجأة !! ألم تقل لهم الفتاة أنني قادم ..حسنا ربما أنها ...
دخلت أم يوسف الى الصالون ..مازالت تحتفظ ببريق جمالها رغم
الحزن الدفين الذي اختزنته تقاسيم وجهها هي أيضا ..وكان وجهها
الأبيض يوحي بالطيبة والوقار رغم صغر سنها.. سلمت على الضيف
الكبير ..
-أهلا يا أستاذ ..تفضل بالجلوس ، رجاءا
-أهلا دكتورة ، شكرا لك ، ثم رفع وجهه مخاطبا زوجها الطبيب
-شكرا لهذه الحفاوة البالغة ..في الواقع أخي أبو يوسف ..حسنا ..
يبدو أنكم لم تتوقعوا زيارتي ، ألم تخبركم كريمتكم حنان بأنني قادم ؟
نظر الزوجان لبعضهما غير مصدقين ، فمن يتحدث لا يبدو عليه
الجنون ..بل لا يمكن الشك بكلامه ، فهو شخصية مرموقة مشهودٌ
لها بالحكمة والعقل الراجح..
-أأنت متأكد مما تقول يا سيدي ؟
- حسنا ..يبدو أنها أخفت عنكم شيئا ما .. في الواقع لقد كانت في حالة
يرثى لها ، وقد وعدتني بأن تحكي لي القصة بالتفصيل اليوم عندما آتي
لاسترداد معطفي ..ألم تقل لكم ؟ أعني ..ألم تلاحظوا المعطف الأسود الذي
دخلت به إليكم ليلة أمس ؟ ...
يبدو أن الزوجان كانا في حالة من الذهول لم يتمكنا معها من سماع
الضيف , وأسئلته المندفعة من فمه كالرشاش ..
- للمرة الثانية أسألك يا أستاذ خليل ..هل أنت متأكد مما تقوله ؟
- وهل تظن يا دكتور بأن سني ومركزي الاجتماعي ، يسمح لي بالعبث
واختلاق قصة كهذه ..آووه ..الحمد لله ، هاهي يا أبو يوسف ، وأشار إلى
صورة معلقة على الجدار على يساره ..ليس غريبا أنه لم يلحظها عند
دخوله فقد كانت مواربه بفازة كبيرة طويلة الأغصان ...
{ــــ ستندم طوال عمرك على أنك سافرت إلى بيروت أيها المحامي الشهير
،وعلى أنك عدت منها ..وعلى أنك شاهدت ,وأتيت ..وسألت ..ــــ }
- على ما يبدو أنك لم تلاحظ الشريطة السوداء على زاوية الصورة من
الأعلى يا أستاذ خليل ..هذه ابنتنا حنان فعلا ، لكنها توفيت منذ تسع
سنوات في حادثٍ مروري أليم . .. .
النهايه