الصنداي تايمز: رئيس الموساد قد يصبح ضحية الحرب السرية التي شنها مئير داجان
قد يجد العقل المنظم في الموساد نفسه في النهاية ضحية الحرب السرية التي شتنها بنفسه .
العقل المنظم هو مئير داجان رئيس الموساد الإسرائيلي الذي يشتبه بقيامه باغتيال القائد الفلسطيني في حركة حماس محمود المبحوح في دبي.
وكيف يكون ضحية؟ بخسارته منصبه بعد ما بدا من أن العملية التي نفذت في دبي لم تكن محبوكة كما ينبغي وكما تصور الموساد نفسها للعالم، وللإسرائيليين.
وهذه الجملة هي ما يختم به كاتب الصنداي تايمز أوزي محنائيمي عرضه الطويل على صفحتين متقابلتين تفاصيل كما نقلها عن مصادر عليمة بالموساد .
والموساد قد علق العمليات المماثلة لعملية الاغتيال في الشرق الأوسط تحسبا لما قد يتعرض له عملاؤه من خطر بسبب تشديد الإجراءات الأمنية.
يحكي كاتب المقالة عن مصادر عليمة بالموساد كما يقول كيف انطلقت سيارتان من طراز أودي إيه 6 في أوائل شهر كانون الثاني/يناير الماضي حتى بوابة مبنى على تلة صغيرة في إحدى الضواحي شمال تل أبيب، المبنى هو مقر الموساد والمعروف باسم مدراشا .
يقول محنائيمي يترجل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي من سيارته ليلتقيه مئير دجان رئيس الوكالة ذو الأربعة وستين عاما. يتقدم داجان الذي يتكئ على عصا فاثناء السير بسبب إصابة حرب في شبابه أمام نتنياهو ومعهم أحد الجنرالات إلى قاعة في المبنى .
وهناك كان بعض أفراد فرقة الاغتيال، حيث تم إبلاغ نتنياهو ـ بصفته الشخص الذي سيصادق في النهاية على مثل هذه العمليات ـ عن خطط لقتل محممود المبحوح .
فالموساد قد تلقى معلومات استخبارية بأن المبحوح يخطط للقيام برحلة إلى دبي، ويعد الموساد عملية لاغتياله وهو بلا حراسة في فندق هناك، ويقوم باستخدام فندق في تل أبيب للتدريب على العملية دون إشعار أصحاب الفندق بما يجري فيه .
يستطرد الكاتب أن نتنياهو صادق على العملية ـ التي لم تبد معقدة أو تتسم بالمجازفة ـ بالقول التقليدي في مثل هذه الحالات شعب إسرائيل يثق بكم، حظا سعيدا .
وبعد ذلك بأيام، وفي التاسع عشر من كانون الثاني/يناير أقلعت طائرة الإمارات رحلة رقم إي كيه 912 من العاصمة السورية دمشق في الساعة العاشرة وخمس دقائق، وكما توقعت الموساد كان المبحوح الذي يعرف ايضا باسم أبو العبد على متنها.
كانت تساور الإسرائيليين شكوك بأن المبحوح يريد السفر من دبي إلى المرفأ الإيراني بندر عباس لترتيب شحن صفقة أسلحة لحماس في غزة .
وكان المبحوح قد قام بمثل هذه الرحلة مرات عدة لأغراض تتعلق بحماس .
وفيما كان المبحوح في الجو فوق دمشق وقف تحته على أحد الطرق عميل للموساد يراقب إقلاع الطائرة، وبعد تلقيه معلومات من مخبر في المطار بأن المبحوح ـ الذي كان يسافر باسم مستعار ـ قد ركب الطائرة فعلا أرسل رسالة باستخدام هاتف محمول نمساوي مدفوع الفاتورة مسبقا إلى الفرق في دبي بأن الهدف في الطريق .
بعد ذلك بساعات قتل المبحوح في غرفته، بالفندق وكادت وكالة الاستخبارات الإسرائيلية تنجو بنفسها من المسؤولية، إذ اعتبر سبب وفاته على مدى أيام طبيعيا .
تفاصيل أخرى يرويها الكاتب عن عملية الاغتيال.
يقول أوزي محنائيمي بعد وصول المبحوح إلى دبي وتسلمه أمتعته استقل سيارة أجرة لتنقله مسافة قصيرة إلى فندق البستان روتانا. كانت هناك سيدة أوروبية الملامح في أوائل الثللاثين من عمرها تتنتظر في الخارج، شاهدته يغادر المطار فأرسلت رسالة إلى رئيس الفريق .
تعمد المبحوح طلب النزول في غرفة بدون شرفة ـ لأسباب أمنية على ما يبدو ـ فيما حجز الموساد الغرفة المقابلة .
غادر الفندق في ساعات المساء الأولى يتبعه اثنان من أفراد الفرقة. حماس أيضا تعرف أين ذهب ومن قابل لكنها لا تقول .
ومن المعروف أن أحدا حاول إعادة برمجة القفل الالكتروني على باب غرفة المبحوح، أمر الاغتيال لم ينكشف، وغادرت الفرق دبي خلال ساعات إلى أماكن عدة منها باريس وهونج كونج وجنوب إفريقيا .
ولم تثر شكوك أحد حول الأمر حتى اليوم التالي حين اتصلت زوجة المبحوح بمسؤولين في حماس للاستفسار عن زوجها، الذي لم يكن يرد على مكالمتها الهاتفية. عند ذلك تم إبلاغ إدارة الفندق، ومن ثم الدخول إلى الغرفة .
يقول الكاتب إنه لم تبد أي آثار لعنف أو مقاومة على جسد المبحوح والذي بدا وكأنه نائم، ولما لم يستجب لمحاولات إيقاظه جيء بطبيب من مستشفى مجاور.
عثر في الغرفة على بعض أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم، زرعها عملاء الموساد كما تقول مصادر إسرائيلية، وقرر الطبيب أن الفلسطيني قد توفي وفاة طبيعية ربما إثر نوبة قلبية، وبدأت مراسم الحداد عليه .
غير أن نتائج التشريح الجنائي لم تحسم سبب الوفاة، وكانت هذه الشكوك كافية لإعلان حماس بأن المبحوح قد قتل .
وينقل الكاتب عن مصدر إسرائيلي وصفه بواسع الاطلاع قوله إن الفرق كانت على علم تام بشبكة الكاميرات في دبي، إلا أنها ذهلت من قدرة الشرطة في دبي على إعادة تركيب وتجميع كل هذه الصور لتروي الحكاية .
وبعد استعراض للتداعيات على علاقات إسرائيل بالدول التي استخدمت جوازاتها في عملية الاغتيال، يقول الكاتب إن ردود الفعل في إسرائيل متضاربة، فقليلون من سيذرفون الدمع على موت احد كبار القادة في حماس، إلا أن هناك استياء لأن جهاز الموساد قد يكون أضر بسمعة البلاد في الخارج. وإن العقل المنظم في الموساد (مئير داجان) قد يجد نفسه في النهاية ضحية الحرب السرية التي شنها بنفسه .
إسرائيل لا تعرف مواطن قوتها
على إسرائيل أن تقدر قوة ضبط النفس عنوان الافتتاحية التي تتناول بها صحيفة الأوبزرفر قضية الاغتيال في دبي.
تشير الصحيفة في البداية إلى أن من الصعب تجاهل الانطباع بأنه لو جرت عملية القتل بسرية أكبر لكانت قد قوبلت بالتجاهل من قبل وزارة الخارجية البريطانية، فحماس في النهاية ليست صديقة بريطانيا.
ثم تقول الأوبزرفر إن الاغتيال يذكرنا بقوة بأنه لا يمكن تجاهل الوقائع على الأرض. وأولها أن إسرائيل والفلسطينيين في حالة حرب دائمة، إلا أن ضراوة هذه الحرب تتباين من حين لحين، والثاني أن بريطانيا ـ كقوة غربية بتداخل استراتيجي شديد في الشرق الأوسط ـ ضالعة في ذلك شاءت أو أبت.
وتستطرد الصحيفة أن ممارسة النفوذ السياسي مقارنة بالعسكري ليست سهلة. فسياسة إسرائيل يحركها عاملان: الأول ـ وهي محقة فيه ـ هو أنها محاطة في المعظم بدول معادية انطلقت من بعضها عمليات إرهابية ضد مدنييها، والثاني ـ وهي غير محقة فيه ـ هو أن الشعور بالبارانويا يدفعها إلى الاعتماد الدائم على العسكرية الانعزالية التي فشلت على الدوام في توفير ما يتوق إليه الإسرائيليون من الأمن، ناهيك عما ألحقه ذلك من إجحاف رهيب بحق الفلسطينيين.
ثم تستدرك الصحيفة بالقول إن هناك بارانويا موازية على الجانب الفلسطيني، وتتمثل في الفكرة التي يروج لها بشدة الأصوليون الإسلاميون وهو أن السياسة الأمريكية والأوروبية إزاء إسرائيل هي جزء من مؤامرة ضخمة، هذه البارانويا تستخدم كلمة الصهيونية كمرادف للهيمنة الغربية في العالم.
وترى الصحيفة أن تداعيات ماسبق قد محت الثقة في أي وسيط في تسوية إسرائيلية فلسطينية، وإن أضمن طريقة لتسريع تحقيق السلام هي أن تتحرر إسرائيل من الحلقة المفرغة من استخدام القوة كالطريقة المفضلة للدفاع عن النفس والتي لا تعود عليها سوى بالهزيمة، فهي ـ كدولة محتلة في منطقة متنازع عليها ـ بإمكانها إحداث تغييرات على الأرض فورا وجعل السعي نحو حل النزاع أقرب بكثير.
وتختم الصحيفة الافتتاحية بالقول إن أكبر نقطة ضعف في إسرائيل هو أنها لا تدرك مواطن قوتها، وإن على المجموعة الدولية أن تبادر إلى فعل يطمئن إسرائيل ويمنحها الثقة بحيث تقدم تنازلات.