فضفضه
ارجو من زوارنا الكرام التسجيل في منتدي فضفضه

من احد الى مؤته 3 416132450
فضفضه
ارجو من زوارنا الكرام التسجيل في منتدي فضفضه

من احد الى مؤته 3 416132450
فضفضه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


فضفضه موقع عربى متكامل
 
البوابةالرئيسيةدردشة الاعضاءأحدث الصورالتسجيلدخولطرائف فضفضه
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» الموت بطعم التفاح الاخضر
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالإثنين 26 أكتوبر - 7:24 من طرف Admin

» لماذا تطلب المراه المساوه
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالثلاثاء 20 أكتوبر - 8:17 من طرف Admin

» لماذ المرأه الموظفه
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالأربعاء 14 أكتوبر - 8:23 من طرف Admin

» قناتي علي اليوتيوب
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالأربعاء 14 أكتوبر - 8:09 من طرف Admin

» دردشه الاعضاء
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالأربعاء 14 أكتوبر - 7:46 من طرف Admin

» لعبه كلمه السر
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالسبت 8 أبريل - 5:45 من طرف Admin

» الكاتبه فريده الشوباشي خير دليل علي ان المرأه لا تصاح ان تنال حريتها
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالإثنين 10 أكتوبر - 3:19 من طرف Admin

» قانون الخدمه المدنيه الجديد بعد اقرار مجلس النواب
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالجمعة 7 أكتوبر - 20:34 من طرف Admin

» اهم اسباب غرق مركب رشيد شباب عاطل ونساء موظفات
من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالأحد 25 سبتمبر - 4:14 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
سمر - 8530
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
ابو حنفى - 5968
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
جنه - 5171
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
gana - 4139
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
نورا - 3362
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
renaad - 2830
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
ايناس - 2451
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
البحارمندي - 2113
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
نيرفين - 1964
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
Admin - 1869
من احد الى مؤته 3 Vote_rcapمن احد الى مؤته 3 Voting_barمن احد الى مؤته 3 Vote_lcap 
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 18 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 18 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1612 بتاريخ الأربعاء 13 أكتوبر - 16:40
الإبحار
 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

 

 من احد الى مؤته 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ziadopel
عضو فضي
عضو فضي
ziadopel


10
ذكر عدد الرسائل : 542
تاريخ الميلاد : 04/08/1988
العمر : 35
تاريخ التسجيل : 29/11/2009

من احد الى مؤته 3 Empty
مُساهمةموضوع: من احد الى مؤته 3   من احد الى مؤته 3 Icon_minitimeالسبت 5 ديسمبر - 10:27

وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وملخصها أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خرج بها رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها، وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة لحاجتها، ففقدت عقداً لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه في وقتها، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هودجها فظنوها فيه فحملوا الهودج، ولا ينكرون خفته؛ لأنها رضي الله عنها كانت فتية السن لم يغشها اللحم الذي كان يثقلها، وأيضاً فإن النفر لما تساعدوا على حمل الهودج لم ينكروا خفته، ولو كان الذي حمله واحداً أو اثنين لم يخف عليهما الحال، فرجعت عائشة إلى منازلهم، وقد أصابت العقد، فإذا ليس به داع ولا مجيب، فقعدت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها، والله غالب على أمره، يدبر الأمر فوق عرشه كما يشاء، فغلبتها عيناها، فنامت، فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)؟ -وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش لأنه كان كثير النوم، فلما رآها عرفها، وكان يراها قبل نزول الحجاب، فاسترجع وأناخ راحلته، فقربها إليها، فركبتها، وما كلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها، حتى قدم بها، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة، فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته، وما يليق به، ووجد الخبيث عدو الله ابن أبي متنفساً، فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه، فجعل يستحكي الإفك، ويستوشيه، ويشيعه، ويذيعه، ويجمعه، ويفرقه، وكان أصحابه يتقربون به إليه، فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث، ورسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) ساكت لا يتكلم، ثم استشار أصحابه-لما استلبث الوحي طويلاً- في فراقها، فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يفارقها، ويأخذ غيرها، تلويحاً لا تصريحاً، وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها، وأن لا يلتفت إلى كلام الأعداء؛ فقام على المنبر يستعذ من عبدالله بن أبي، فأظهر أسيد بن حضير سيد الأوس رغبته في قتله، فأخذت سعد بن عبادة -سيد الخزرج وهي قبيلة بن أبي- الحمية القبلية، فجرى بينهما كلام تثاور له الحيان، فخفضهم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) حتى سكتوا وسكت.
أما عائشة؛ فلما رجعت مرضت شهراً، وهي لا تعلم عن حديث الإفك شيئاً، سوى أنها كانت لا تعرف من رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي، فلما نقهت خرجت مع أم مسطح إلى البراز ليلاً، فعثرت أم مسطح في مرطها، فدعت على ابنها، فاستنكرت ذلك عائشة منها، فأخبرتها الخبر، فرجعت عائشة واستأذنت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)؛ لتأتي أبويها وتستيقن الخبر، ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفت جلية الأمر، فجعلت تبكي، فبكت ليلتين ويوماً، لم تكن تكتحل بنوم، ولا يرقأ لها دمع، حتى ظنت أن البكاء فاتق كبدها، وجاء رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) في ذلك، فتشهد وقال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه.
وحينئذ قلص دمعها، وقالت لكل من أبويها أن يجيبا، فلم يدريا ما يقولان، فقالت: والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم إني منه بريئة- لتصدقني والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف. قال: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
ثم تحولت واضطجعت، ونزل الوحي ساعته، فسري عن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة، أما والله فقد برأك، فقالت لها أمها: قومي إليه.. فقالت عائشة -إدلالاً ببراءة ساحتها، وثقة بمحبة رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)-: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله.
والذي أنزله الله بشأن الإفك هو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر الآيات.
وجلد من أهل الإفك مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، جلدوا ثمانين، ولم يحد الخبيث عبدالله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك، والذي تولى كبره، إما لأن الحدود تخفيف لأهلها، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، وإما للمصلحة التي ترك لأجلها قتله.
وهكذا وبعد شهر أقشعت سحابة الشك والإرتياب والقلق والاضطراب عن جو المدينة ، وافتضح رأس المنافقين افتضاحاً لم يستطع أن يرفع رأسه بعد ذلك، قال ابن إسحاق: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه. فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) لعمر: كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أُنُف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. قال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أعظم بركة من أمري.

38 - البعوث والسرايا بعد غزوة المريسيع
1- سرية عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني كلب بدومة الجندل ، في شعبان سنة 6هـ. أقعده رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بين يديه، وعممه بيده، وأوصاه بأحسن الأمور في الحرب، وقال له: إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم، فمكث عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم القوم وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، وهي أم أبي سلمة، وكان أبوها رأسهم وملكهم.
2- سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك، في شعبان سنة 6هـ. وذلك أنه بلغ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن بها جمعاً يريدون أن يمدوا اليهود، فبعث إليهم علياً في مائتي رجل، وكان يسير الليل ويكمن النهار، فأصاب عيناً لهم، فأقر أنهم بعثوه إلى خيبر يعرضون عليه نصرتهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر ، ودل العين على موضع تجمع بني سعد، فأغار عليهم علي، فأخذ خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظعن، وكان رئيسهم وبر بن عليم.
3- سرية أبي بكر الصديق أو زيد بن حارثة إلى وادي القرى ، في رمضان سنة 6هـ. كان بطن فزارة يريد اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وسلم)، فبعث رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أبا بكر الصديق. قال سلمة بن الأكوع: وخرجت معه، حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من قتل، ورأيت طائفة وفيهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم، ورميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا، فيهم امرأة هي أم قرفة عليها قشع من أديم، معها ابنتها من أحسن العرب، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر ، فنفلني أبو بكر ابنتها، فلم أكشف لها ثوباً، وقد سأله رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بنت أم قرفة، فبعث بها إلى مكة ، وفدى بها أسرى من المسلمين هناك.
وكانت أم قرفة شيطانة تحاول اغتيال النبي (صلَّى الله عليه وسلم)، وجهزت ثلاثين فارساً من أهل بيتها لذلك، فلاقت جزاءها وقتل الثلاثون.
4- سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين، في شوال سنة 6هـ وذلك أن رهطاً من عكل وعرينة أظهروا الإسلام، وأقاموا بالمدينة فاستوخموها، فبعثهم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) في ذود عن المرعى، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، واستاقوا الإبل وكفروا بعد إسلامهم، فبعث في طلبهم كرزا الفهري في عشرين من الصحابة، ودعا على العرنيين: اللهم اعم عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مسك، فعمى الله عليهم السبيل، فأدركوا، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، جزاء وقصاصاً بما فعلوا، ثم تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا وحديثهم في الصحيح عن أنس.
ويذكر أهل السير بعد ذلك سرية عمرو بن أمية الضمري مع سلمة بن أبي سلمة، في شوال سنة 6هـ، أنه ذهب إلى مكة لاغتيال أبي سفيان، لأن أبا سفيان كان أرسل أعرابياً لاغتيال النبي (صلَّى الله عليه وسلم)، بيد أن المبعوثين لم ينجحا في الاغتيال، لا هذا، ولا ذاك، و يذكرون أن عمراً قتل في الطريق ثلاثة رجال، ويقولون إن عمراً أخذ جثة الشهيد خبيب في هذا السفر، والمعروف أن خبيباً استشهد بعد الرجيع بأيام أو اشهر، ووقعة الرجيع كانت في صفر سنة 4هـ، فلا أدري هل اختلط السفران على أهل السير، أو كان الأمران في سفر واحد في السنة الرابعة، وقد أنكر العلامة المنصورفوري أن تكون هذه السرية سرية حرب أو مناوشة. والله أعلم.
هذه هي السرايا والغزوات بعد الأحزاب، وبني قريظة، لم يجر في واحدة منها قتال مرير، وإنما وقعت فيما وقعت مصادمة خفيفة، فليست هذه البعوث إلا دوريات استطلاعية، أو تحركات تأديبية؛ لإرهاب الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد. ويظهر بعد التأمل في الظروف أن مجرى الأيام كان قد أخذ في التطور بعد غزوة الأحزاب، وأن أعداء الإسلام كانت معنوياتهم في انهيار متواصل، ولم يكن بقي لهم أمل في نجاح كسر الدعوة الإسلامية وخضد شوكتها، إلا أن هذا التطور ظهر جلياً بصلح الحديبية ، فلم تكن الهدنة إلا الاعتراف بقوة الإسلام، والتسجيل على بقائها في ربوع الجزيرة العربية.
وقعة الحديبية في ذي القعدة سنة 6هـ:

39- 1 - سبب عمرة الحديبية:
ولما تقدم التطور في الجزيرة العربية إلى حد كبير لصالح المسلمين، أخذت طلائع الفتح الأعظم ونجاح الدعوة الإسلامية تبدو شيئاً فشيئاً، وبدأت التمهيدات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صد عنه المشركون منذ ستة أعوام.
أُريَ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك الصحابة ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلوا مكة عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر.

39- 2 - استنفار المسلمين:
واستنفر العرب ومن حوله من البوادي ليخرجوا معه، فأبطأ كثير من الأعراب، وغسل ثيابه، وركب ناقته القصواء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أو نميلة الليثي، وخرج منها يوم الإثنين غرة ذي القعدة سنة 6هـ، ومعه زوجته أم سلمة، في ألف وأربعمائة، ويقال ألف وخمسمائة، ولم يخرج معه بسلاح، إلا سلاح المسافر، السيوف في القرب.

39- 3 - المسلمون يتحركون إلى مكة:
وتحرك في اتجاه مكة ، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه، وبعث بين يديه عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش ، حتى إذا كان قريباً من عسفان أتاه عينه، فقال: إني تركت كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعاً وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت. واستشار النبي (صلَّى الله عليه وسلم) أصحابه وقال: أترون نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكن عنق قطعها الله، أم تريدون أن نؤم هذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ فقال أبو بكر : الله ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين، ولم نجيء لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): فروحوا، فراحوا.

39- 4 - محاولة قريش صد المسلمين عن البيت:
وكانت قريش لما سمعت بخروج النبي (صلَّى الله عليه وسلم) عقدت مجلساً استشارياً، قررت فيه صد المسلمين عن البيت كيفما يمكن، فبعد أن أعرض رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) عن الأحابيش، نقل إليه رجل من بني كعب أن قريشاً نازلة بذي طوى، وأن مائتي فارس في قيادة خالد بن الوليد مرابطة بكراع الغميم ، في الطريق الرئيسي الذي يوصل إلى مكة ، وقد حاول خالد صد المسلمين، فقام بفرسانه إزاءهم يتراأى الجيشان، ورأى خالد المسلمين في صلاة الظهر يركعون ويسجدون فقال: لقد كانوا على غرة، لو كنا حملنا عليهم لأصبنا منهم، ثم قرر أن يميل على المسلمين -وهم في صلاة العصر- ميلة واحدة، ولكن الله أنزل حكم صلاة الخوف، ففاتت الفرصة خالداً.

39- 5 - تبديل الطريق ومحاولة الاجتناب عن اللقاء الدامي:
وأخذ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) طريقاً وعراً بين شعاب، وسلك بهم ذات اليمين بين ظهري الحمش، في طريق على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة ، وترك الطريق الرئيسي الذي يفضي إلى الحرم ماراً بالتنعيم، تركه إلى اليسار، فلما رأى خالد فترة الجيش الإسلامي قد خالفوا عن طريقه انطلق يركض نذيراً لقريش.
وسار رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، حتى إذا كان بثنية المرار بركت راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية ، على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبث أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) العطش، فانتزع سهماً من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا.

39- 6 - بديل يتوسط بين رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وقريش:
ولما اطمأن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة ، وكانت خزاعة عيبة نصح لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية ، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهتكهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره.
قال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشاً: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولاً، فإن شئتم عرضته عليكم. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فبعثت قريش مكرز بن حفص، فلما رآه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) قال: هذا رجل غادر، فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم.

39- 7 - رسل قريش:
ثم قال رجل من كنانة -اسمه الحليس بن علقمة-: دعوني آته. فقالوا. آته فلما أشرف على النبي (صلَّى الله عليه وسلم) وأصحابه قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها، فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك. قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فرجع إلى أصحابه فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، وما أرى أن يصدوا، وجرى بينه وبين قريش كلام أحفظه.
فقال عروة بن مسعود الثقفي: إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته فقالوا: آته، فآتاه، فجعل يكلمه، فقال له النبي (صلَّى الله عليه وسلم) نحواً من قوله لبديل، فقال له عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوهاً، وأرى أوباشاً من الناس خلقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر : أمصص بظر اللات، أنحن نفر عنه؟ قال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر ، قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك. وجعل يكلم النبي (صلَّى الله عليه وسلم)، وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة عند رأس النبي (صلَّى الله عليه وسلم) ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي (صلَّى الله عليه وسلم)ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، فرفع عروة رأسه وقال: من ذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، أو لست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء (وكان المغيرة ابن أخي عروة).
ثم إن عروة جعل يمرق أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وعلاقتهم به، فرجع إلى أصحابه. فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.

39- 8 - هو الذي كف أيديهم عنكم:
ولما رأى شباب قريش الطائشون، والطامحون إلى حرب، رغبة زعمائهم في الصلح، فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، فقرروا أن يخرجوا ليلاً ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثاً تشعل نار الحرب، وفعلاً قد قاموا بتنفيذ هذا القرار، فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليلاً فهبطوا على جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أن محمداً بن سلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعاً. ورغبة في الصلح أطلق سراحهم النبي (صلَّى الله عليه وسلم) وعفا عنهم، وفي ذلك أنزل الله {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}.

39- 9 - عثمان بن عفان سفيراً إلى قريش:
وحينئذ أراد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن يبعث سفيراً يؤكد لدى قريش موقفه وهدفه من هذا السفر، فدعا عمر بن الخطاب ليرسله إليهم، فاعتذر قائلاً: يا رسول الله ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت، فدعاه، وأرسله إلى قريش ، وقال: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها أحد بالإيمان.
فانطلق عثمان حتى مر على قريش ببلدح، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) كذا وكذا، قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك، وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص، فرحب به ثم أسرج فرسه، فحمل عثمان على الفرس، وأجاره وأردفه حتى جاء مكة ، وبلغ الرسالة إلى زعماء قريش . فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف بالبيت، لكنه رفض هذا العرض، وأبى أن يطوف حتى يطوف رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم).

39- 10 - إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان:
واحتبسته قريش عندها -ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن، ويبرموا أمرهم، ثم يردوا عثمان بجواب ما جاء به من الرسالة- وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) لما بلغته تلك الإشاعة: لا نبرح حتى نناجز القوم، ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على أن لا يفروا، وبايعته جماعة على الموت، وأول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس ووسطهم وآخرهم، وأخذ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بيد نفسه وقال: هذه عن عثمان، ولما تمت البيعة جاء عثمان فبايعه، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له جد بن قيس.
أخذ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) هذه البيعة تحت شجرة، وكان عمر آخذاً بيده، ومعقل بن يسار آخذاً بغصن الشجرة يرفعه عن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل الله فيها {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}.

39- 11 - إبرام الصلح وبنوده:
وعرفت قريش حراجة الموقف، فأسرعت إلى بعث سهيل بن عمرو لعقد الصلح، وأكدت له أن لا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً. فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه عليه السلام قال: قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فجاء سهيل فتكلم كلاماً طويلاً، ثم اتفقا على قواعد الصلح وهي هذه:
1- الرسول -(صلَّى الله عليه وسلم)- يرجع من عامه، فلا يدخل مكة وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، والسيوف في القرب، ولا تتعرض قريش لهم بأي نوع من أنواع التعرض.
2- وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.
3- من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق.
4- من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه -أي هارباً منهم- رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد -أي هارباً منهم- لم يرد عليه.
ثم دعا علياً ليكتب الكتاب، فأملى عليه "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل: أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم. فأمر النبي (صلَّى الله عليه وسلم) عليّاً بذلك. ثم أملى (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله) فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبدالله فقال: إني رسول الله وإن كذبتموني، وأمر علياً أن يكتب محمد بن عبدالله، ويمحو لفظ رسول الله، فأبى علي أن يمحو هذا اللفظ، فمحاه (صلَّى الله عليه وسلم) بيده، ثم تمت كتابة الصحيفة، ولما تم الصلح دخلت خزاعة في عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) -وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب كما قدمنا في أوائل المقالة، فكان دخولهم في هذا العهد؛ تأكيداً لذلك الحلف القديم- ودخلت بنو بكر في عهد قريش

39- 12 - رد أبي جندل:
وبينما الكتاب يكتب إذ جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين ظهور المسلمين، فقال سهيل: هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده.
فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): إنا لم نقض الكتاب بعد. فقال: فوالله إذاً لا أقاضيك على شيء أبداً. فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم) فأجزه لي. قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل. وقد ضرب سهيل أبا جندل في وجهه، وأخذ بتلابيبه وجره؛ ليرده إلى المشركين، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهد الله فلا نغدر بهم.
فوثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، ويدني قائم السيف منه، يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضن الرجل بأبيه، ونفذت القضية.

39- 13 - النحر والحلق للحل عن العمرة:
ولما فرغ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) من قضية الكتاب قال: قوموا، فانحروا، فوالله ما قام منهم أحد حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله أتحب ذلك؟ أخرج، ثم لا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً، وكانوا نحروا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ونحر رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) جملاً كان لأبي جهل، وكان في أنفه برة من فضة، ليغيظ به المشركين، ودعا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) للمحلقين ثلاثاً بالمغفرة وللمقصرين مرة. وفي هذا السفر أنزل الله فدية الأذى لمن حلق رأسه بالصيام، أو الصدقة، أو النسك في شأن كعب بن عجرة.

39- 14 - الإباء عن رد المهاجرات:
ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية ، فرفض طلبهم هذا، بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي: (وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا) فلم تدخل النساء في العقد رأساً. وأنزل في ذلك {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}، فكان رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) يمتحنهن بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} إلخ.. فمن أقرت بهذه الشروط قال لها: قد بايعتك، ثم لم يكن يردهن.
وطلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. تزوج بإحداهما معاوية، وبالأخرى صفوان بن أمية.

39- 15 - ماذا يتمخض عن بنود المعاهدة:
هذه هي هدنة الحديبية ، ومن سبر أغوار بنودها مع خلفياتها لا يشك أنها فتح عظيم للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف بالمسلمين أي اعتراف، بل كانت تهدف استئصال شأفتهم، وتنتظر أن تشهد يوماً ما نهايتهم، وكانت تحاول بأقصى قوتها الحيلولة بين الدعوة الإسلامية، وبين الناس، بصفتها ممثلة الزعامة الدينية والصدارة الدنيوية في جزيرة العرب، ومجرد الجنوح إلى الصلح اعتراف بقوة المسلمين، وأن قريشاً لا تقدر على مقاومتهم، ثم البند الثالث يدل لفحواه على أن قريشاً نسيت صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية، وأنها لا تهمها الآن إلا نفسها، أما سائر الناس وبقية جزيرة العرب فلو دخلت في الإسلام بأجمعها، فلا يهم ذلك قريشاً، ولا تتدخل في ذلك بأي نوع من أنواع التدخل. أليس ذلك فشلاً ذريعاً بالنسبة إلى قريش ؟ وفتحاً مبيناً بالنسبة إلى المسلمين؟ إن الحروب الدامية التي جرت بين المسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها -بالنسبة إلى المسلمين- مصادرة الأموال وإبادة الأرواح، وإفناء الناس، أو إكراه العدو على اعتناق الإسلام، وإنما كان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلمون من هذه الحروب هو الحرية الكاملة للناس في العقيدة والدين {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. لا يحول بينهم وبين ما يريدون أي قوة من القوات، وقد حصل هذا الهدف بجميع أجزائه ولوازمه، وبطريق ربما لا يحصل بمثله في الحروب مع الفتح المبين، وقد كسب المسلمون لأجل هذه الحرية نجاحاً كبيراً في الدعوة، فبينما كان عدد المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف قبل الهدنة؛ صار عدد الجيش الإسلامي في سنتين عند فتح مكة عشرة آلاف.
أما البند الثاني؛ فهو جزء ثان لهذا الفتح المبين، فالمسلمون لم يكونوا البادئين بالحروب، وإنما بدأتها قريش ، يقول الله تعالى: {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، أما المسلمون فلم يكن المقصود من دورياتهم العسكرية إلا أن تفيق قريش عن غطرستها، وصدها عن سبيل الله، وتعمل معهم بالمساواة، كل من الفريقين يعمل على شاكلته فالعقد بوضع الحرب عشر سنين حد لهذه الغطرسة والصد، ودليل على فشل من بدأ الحرب وضعفه وانهياره.
أما البند الأول؛ فهو حد لصد قريش عن المسجد الحرام، فهو أيضاً فشل لقريش، وليس فيه ما يشفي قريشاً سوى أنها نجحت في الصد لذلك العام الواحد فقط.
أعطت قريش هذه الخلال الثلاث للمسلمين، وحصلت بإزائها خلة واحدة فقط، وهي ما في البند الرابع، ولكن تلك الخلة تافهة جداً، ليس فيها شيء يضر بالمسلمين، فمعلوم أن المسلم ما دام مسلماً لا يفر عن الله ورسوله، وعن مدينة الإسلام، ولا يفر إلا إذا ارتد عن الإسلام ظاهراً أو باطناً، فإذا ارتد فلا حاجة إليه للمسلمين، وانفصاله من المجتمع الإسلامي خير من بقائه فيه، وهذا الذي أشار إليه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بقوله: إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله وأما من أسلم من أهل مكة -فهو وإن لم يبق للجوئه إلى المدينة سبيل- لكن أرض الله واسعة، ألم تكن الحبشة واسعة للمسلمين حينما لم يكن يعرف أهل المدينة عن الإسلام شيئاً؟ وهذا الذي أشار إليه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بقوله: "ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً".
والأخذ بمثل هذا الإحتفاظ، وإن كان مظهر الإعتزاز لقريش، لكنه في الحقيقة ينبئ عن شدة انزعاج قريش وهلعهم وخورهم، وعن شدة خوفهم على كيانهم الوثني، وكأنهم كانوا قد أحسوا أن كيانهم اليوم على شفا جرف هار، لا بد له من الأخذ بمثل هذا الإحتفاظ، وما سمح به النبي (صلَّى الله عليه وسلم) من أنه لا يسترد من فرّ إلى قريش من المسلمين، فليس هذا إلا دليلاً على أنه يعتمد على تثبيت كيانه وقوته كمال الإعتماد، ولا يخاف عليه من مثل هذا الشرط.

39- 16 - حزن المسلمين ومناقشة عمر مع النبي (صلَّى الله عليه وسلم):
هذه هي حقيقة بنود هذه الهدنة، لكن هناك ظاهرتان عمت لأجلهما المسلمين كآبة وحزن شديد، الأولى: أنه كان قد أخبرهم أن سنأتي البيت فنطوف به، فما له يرجع ولم يطف به؟ الثانية: أنه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وعلى الحق، والله وعد بإظهار دينه، فما له قبل ضغط قريش ، وأعطى الدنية في الصلح؟ كانت هاتان الظاهرتان مثار الريب والشكوك والوساوس والظنون. وصارت مشاعر المسلمين لأجلهما جريحة، بحيث غلب الهم والحزن على التفكير في عواقب بنود الصلح. ولعل أعظمهم حزناً كان عمر بن الخطاب، فقد جاء إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) وقال: يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى . قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى . قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري، ولن يضيعني أبداً. قال: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى ، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.
ثم انطلق عمر متغيظاً فأتى أبا بكر ، فقال له كما قال لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، ورد عليه أبو بكر ، كما رد عليه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) سواء، وزاد: فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق.
ثم نزلت {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} إلخ فأرسل رسول الله إلى عمر فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال نعم. فطابت نفسه ورجع.
ثم ندم عمر على ما فرط منه ندماً شديداً. قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً، مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً.

39- 17 - انحلت أزمة المستضعفين:
ولما رجع رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى المدينة ، واطمأن بها، انفلت رجل من المسلمين، ممن كان يعذب في مكة ، وهو أبو بصير رجل من ثقيف حليف لقريش، فأرسلوا في طلبه رجلين وقالوا للنبي (صلَّى الله عليه وسلم) العهد الذي جعلت لنا، فدفعه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً. فاستله الآخر، فقال: أجل. والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد.
وفر الآخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) حين رآه: لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) قال: قتل صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير وقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال رسول الله: ويل أمه، مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة. فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) تناشده الله والرحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إليهم، فقدموا إلى المدينة.
إسلام أبطال من قريش :
وفي أوائل سنة 7 من الهجرة بعد هذه الهدنة أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، ولما حضروا عند النبي (صلَّى الله عليه وسلم) قال: إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها.
المرحلة الثانية

40 - طور جديد
إن هدنة الحديبية كانت بداية طور جديد في حياة الإسلام، والمسلمين، فقد كانت قريش أقوى قوة وأعندها وألدها في عداء الإسلام، وبانسحابها عن ميدان الحرب إلى رحاب الأمن والسلام، انكسر أقوى جناح من أجنحة الأحزاب الثلاثة -قريش وغطفان واليهود- ولما كانت قريش ممثلة للوثنية وزعيمتها في ربوع جزيرة العرب؛ انخفضت حدة مشاعر الوثنيين، وانهارت نزعاتها العدائية إلى حد كبير، ولذلك لا نرى لغطفان استفزازاً كبيراً بعد هذه الهدنة، وجل ما جاء إنما جاء من قبل إغراء اليهود.
أما اليهود فقد كانوا جعلوا خيبر بعد جلائهم عن يثرب وكراً للدس والتآمر، كانت شياطينهم تبيض هناك وتفرخ، وتؤجج نار الفتنة، وتغري الأعراب الضاربة حول المدينة ، وتبيت للقضاء على النبي (صلَّى الله عليه وسلم) والمسلمين، أو لإلحاق الخسائر الفادحة بهم، ولذلك كان أول إقدام حاسم من النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بعد الهدنة هو شن الحرب الفاصلة على هذا الوكر.
ولكن هذه المرحلة التي بدأت بعد الهدنة أعطت للمسلمين فرصة كبيرة، لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها، وقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال، برز نشاطهم في هذا الوجه على نشاطهم العسكري، ولذلك نرى أن نقسم هذه المرحلة على قسمين:
1- النشاط في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك والأمراء.
2- النشاط العسكري.
وقبل أن نتابع النشاط العسكري في هذه المرحلة، نتناول موضوع مكاتبة الملوك والأمراء، إذ الدعوة الإسلامية هي المقدم طبعاً، بل ذلك هو الهدف الذي عانى له المسلمون ما عانوه من المصائب والآلام، والحروب والفتن، والقلاقل والإضطرابات.

41- 1 - مقدمة مكاتبة الملوك والأمراء:
في أواخر السنة السادسة حين رجع رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم للإسلام.
ولما أراد أن يكتب إلى هؤلاء الملوك قيل له: إنهم لا يقبلون إلا وعليه خاتم، فاتخذ النبي (صلَّى الله عليه وسلم) خاتماً من فضة، نقشه: محمد رسول الله، وكان هذا النقش ثلاثة أسطر: محمد سطر، رسول سطر، والله سطر، هكذا:
محمد
رسول
الله.
واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك، وقد جزم العلامة المنصورفوري أن النبي (صلَّى الله عليه وسلم) أرسل هؤلاء الرسل غرة المحرم سنة سبع من الهجرة قبل الخروج إلى خيبر بأيام. وفيما يلي نصوص هذه الكتب، وبعض ما تمخضت عنه.

41- 2 - الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة:
وهذا النجاشي اسمه أصحمة بن الأيجر، كتب إليه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) مع عمرو بن أمية الضمري في آخر سنة ست أو في المحرم سنة سبع من الهجرة. وقد ذكر الطبري نص الكتاب، ولكن النظر الدقيق في ذلك النص، يفيد أنه ليس بنص الكتاب الذي كتبه (صلَّى الله عليه وسلم) بعد الحديبية ، بل لعله نص كتاب بعثه مع جعفر حين خرج هو وأصحابه مهاجرين إلى الحبشة في العهد المكي، فقد ورد في آخر الكتاب ذكر هؤلاء المهاجرين بهذا اللفظ (وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر).
وروى البيهقي عن ابن إسحاق نص كتاب كتبه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى النجاشي وهو هذا:
هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة ، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الإسلام، فإني أنا رسوله فأسلم تسلم،
وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط. {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ،فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك.
وقد أورد المحقق الكبير الدكتور حميد الله ( باريس) نص كتاب قد عثر عليه في الماضي القريب -كما أورده ابن القيم مع الإختلاف في كلمة فقط- وبذل الدكتور في تحقيق ذلك النص جهداً بليغاً واستعان في ذلك كثيراً باكتشافات العصر الحديث، وأورد صورته في الكتاب وهو هكذا:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة ، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته. ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعو إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبل نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى.
وأكد الدكتور المحترم أن هذا هو نص الكتاب الذي كتبه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى النجاشي بعد الحديبية ، أما صحة هذا النص فلا شك فيها بعد النظر في الدلائل، وأما أن هذا الكتاب هو الذي كتب بعد الحديبية فلا دليل عليه، والذي أورده البيهقي عن ابن إسحاق أشبه بالكتب التي كتبها النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى ملوك وأمراء النصارى بعد الحديبية ، فإن فيه الآية الكريمة: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} إلخ كما كان دأبه في تلك الكتب، وقد ورد فيه اسم الأصحمة صريحاً، وأما النص الذي أورده الدكتور حميد الله، فالأغلب عندي أنه نص الكتاب الذي كتبه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بعد موت أصحمة إلى خليفته، ولعل هذا هو السبب في ترك الاسم.
وهذا الترتيب ليس عندي عليه دليل قطعي سوى الشهادات الداخلية التي تؤديها نصوص هذه الكتب. والعجب من الدكتور حميد الله أنه جزم أن النص الذي أورده البيهقي عن ابن عباس هو نص الكتاب الذي كتبه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بعد موت أصحمة إلى خليفته مع أن اسم أصحمة وارد في هذا النص صريحاً والعلم عند الله.
ولما بلغ عمرو بن أمية الضمري كتاب النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى النجاشي أخذه النجاشي، ووضعه على عينه ونزل عن سريره على الأرض، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب. وكتب إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بذلك، وهاك نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد:
فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء، والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقاً، أنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت بها إلينا، وقد قربنا ابن عمك وأصحابك فأشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين.
وكان النبي (صلَّى الله عليه وسلم) قد طلب من النجاشي أن يرسل جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة ، فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فقدم بهم على النبي (صلَّى الله عليه وسلم) وهو بخيبر. توفي النجاشي هذا في رجب سنة تسع من الهجرة بعد تبوك ، ونعاه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) يوم وفاته، وصلى عليه صلاة الغائب. ولما مات وتخلف على عرشه ملك آخر كتب إليه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) كتاباً آخر ولا يدري هل أسلم أم لا؟

41- 3 - الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:
وكتب النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى جريج بن متى، الملقب بالمقوقس ملك مصر والإسكندرية:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط. {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
واختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بلتعة. فلما دخل حاطب على المقوقس قال له: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك.
فقال المقوقس: إن لنا ديناً لن ندعه إلا لما هو خير منه.
فقال حاطب: ندعوك إلى دين الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش ، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، فكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به.
فقال المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر.
وأخذ كتاب النبي (صلَّى الله عليه وسلم)، فجعله في حق من عاج، وختم عليه ودفع به إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم):
بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبدالله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك.
ولم يزد على هذا ولم يسلم، والجاريتان مارية، وسيرين، والبغلة ولدل بقيت إلى زمن معاوية، واتخذ النبي (صلَّى الله عليه وسلم) مارية سرية له، وهي التي ولدت له إبراهيم. أما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت الأنصاري.

41- 4 - الكتاب إلى كسرى ملك فارس:
وكتب النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى كسرى ملك فارس "بسم الله الرحمن الرحيم" من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.
واختار لحمل هذا الكتاب عبدالله بن حذافة السهمي، فدفعه السهمي إلى عظيم البحرين، ولا ندري هل بعث عظيم البحرين رجلاً من رجالاته، أم بعث عبدالله السهمي، وأياً ما كان فلما قرئ الكتاب على كسرى مزقه، وقال في غطرسة: عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) قال: مزق الله ملكه، وقد كان كما قال، فقد كتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن : ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين عندك جلدين، فليأتياني به. فاختار باذان رجلين ممن عنده، وبعثهما بكتاب إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) يأمره أن ينصرف معه إلى كسرى، فلما قدما المدينة ، وقابلا النبي (صلَّى الله عليه وسلم) قال أحدهما: إن شاهنشاه (ملك الملوك) كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وبعثني إليك لتنطلق معي، وقال قولاً تهديدياً، فأمرهما النبي (صلَّى الله عليه وسلم) أن يلاقياه غداً.
وفي ذلك الوقت كانت قد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقت جنوده هزيمة منكرة أمام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه، وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، وعلم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) الخبر من الوحي، فلما غدوا عليه أخبرهما بذلك: فقالا: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر، أفنكتب هذا عنك ونخبره الملك. قال: نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى! وينتهي إلى منتهى الخف والحافر. وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك، وملكتك على قومك من الأبناء، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر، وبعد قليل جاء كتاب بقتل شيرويه لأبيه، وقال شيرويه في كتابه: انظر الرجل الذي كان كتب في أبي إليك، فلا تهجه حتى يأتيك أمري.
وكان ذلك سبباً في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن.

41- 5 - الكتاب إلى قيصر ملك الروم:
وروى البخاري ضمن حديث طويل نص الكتاب الذي كتبه النبي (صلَّى الله عليه وسلم) إلى ملك الروم هرقل، وهو هذا:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من احد الى مؤته 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من احد الى مؤته 1
» من احد الى مؤته 2
» من احد الى مؤته 4

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضفضه :: منتدى بلغو عنى ولو اية :: السيره النبويه الشريفه-
انتقل الى: